علي منصور حسب الله يكتب في “ضل الحراز” … ابتسام الكتبي… حين تعترف الشمطاء بما تخجل الدولة عن قوله!

ضل الحراز: بقلم: علي منصور حسب الله

 

 

في أول اعترافٍ إماراتيٍّ صريح، خرجت علينا الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، والمقرّبة من محمد بن زايد، لتقرّ دون مواربة بأن دعم بلادها لميليشيا الدعم السريع في السودان لم يكن إلا لحماية “مصالحها الاقتصادية”.

 

 

٩

قالتها بوضوح فاضح في مقابلة عبر منصة “عرب كاست”: “نعم، الإمارات موجودة في السودان، ولدينا مصالح اقتصادية لن نتركها”. بهذه الجملة المقتضبة، فضحت ما حاولت أبوظبي إخفاءه طيلة شهور من التورط في النزيف السوداني، وهي التي كانت تلوّح بشعارات “الحياد” و”الدعم الإنساني”، بينما كانت تموّل وتسلّح وتوجه. لكن لنسأل أنفسنا: هل وجود استثمارات في بلدٍ ما يبرّر تشكيل ميليشيات مسلحة، والتخطيط لانقلابات، والمشاركة في تمزيق مجتمع بأسره؟!

إن منطق “حماية المصالح” الذي تتحدث عنه الكتبي، لو سُمح به دوليًا، لكان ذريعة لأي قوة غاشمة لتدمير البلدان ونهب مقدراتها.

ما قالته الكتبي لم يكن مفاجئًا للسودانيين. فنحن نعلم منذ البداية أن يد أبوظبي ملوثة بدماء أهلنا. لكن اعترافها كان مهمًا لأنه جاء من داخل المنظومة، من فم شخصية تُعد لسان حال الدولة، وإن تغلفت بغطاء “مركز بحثي”.

 

 

 

في حوارها، وصفت النظام السوداني بأنه “متّحد مع الإخوان”، وكأن هذه التهمة وحدها تبرر دعم مليشيا تعبر الحدود، وتقتل بلا تمييز، وتنهب وتغتصب وتشرّد الملايين. وكأن أبوظبي نصّبت نفسها وصيّةً على السياسة السودانية، تحرّم وتحلّل، وتقرّر من يصلح ومن يُباد! ولأن للوقاحة أوجهًا، خرجت الكتبي متباهيةً بـ”عضلات الإمارات”، وكأن دويلة تتحكم فيها العائلة، وتُدار بعقلية أمنية بوليسية، قد تحوّلت إلى قطبٍ عالميٍّ يوزّع الموت على من يشاء، تحت غطاء “المصالح الاقتصادية”. تصريحاتها كشفت حقيقة العقلية التي تحكم السياسة الإماراتية: عقلية لا تفرّق بين الاستثمار والابتزاز، بين النفوذ والنهب، بين المال والقيم. فالإمارات في أفريقيا ليست شريكًا، بل قوّة تسعى خلف الذهب، وعلى رأسه مناجم جبل عامر السودانية، ولو كان الثمن بلادًا محروقة وشعوبًا مشرّدة. لكن لنقلب المعادلة:

 

 

هل لو امتلك السودان استثمارات في الإمارات، يحق له إنشاء ميليشيا عبر عملاء إماراتيين على شاكلة دقلو وأخوانه لضرب المدن الإماراتية، بدعوى “حماية المصالح السودانية”؟! أم أن منطق البلطجة لا يعمل إلا من الأغنياء على الفقراء، ومن الداعمين على الضحايا؟!

فليعلم الإماراتيون أن للسودان أيادي بيضاء عليهم. فهو أول دولة اعترفت باستقلالهم، ورئيسه جعفر النميري كان أول رئيس يزور دولتهم. العقول السودانية هي من صنعت النهضة في بلادهم، حين كان زايد آل نهيان، رئيس الدولة، يحلم بأن تصير أبوظبي مثل الخرطوم. والشاهد على ذلك مقولته الخالدة: “أبغي أبوظبي تصير مثل الخرطوم”.

السودانيون لم يرسلوا مرتزقة عابري القارات من كولومبيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا لتدمير الإمارات، بل بعثوا كفاءات لبناء وتنمية الدولة، مثل:

كمال حمزة أبو المعالي، أول رئيس لبلدية دبي، الذي أرسى دعائم العمل الإداري.

صالح فرح، أول مستشار قانوني، ساهم في كتابة دستور الإمارات ووضع اللبنة الأولى للنظام القضائي.

البروفيسور علي إبراهيم شمو، أول وكيل لوزارة الإعلام، الذي وضع الأسس الأولى للعمل الإعلامي في الإمارات.

المهندس عوض الكريم، مدير طرق ومجاري أبوظبي، العقل المخطط للبنية التحتية.

الدكتور عوض الحسن النور، قاضي الاستئناف في أبوظبي.

 

 

 

وغيرهم ممن ساهموا في بناء النهضة الإماراتية. بل إن السودان رهن مشروع الجزيرة لتنفيذ مشروع النفط الإماراتي، ومع ذلك، كان رد الإماراتيين علينا الموت والدمار لشعبنا!

تلك أخلاقهم… وتلك أخلاق الشعب السوداني. تزعم الكتبي أن بلادها تدعم الديمقراطية في السودان!

يا لسخرية الموقف!

هل من لم يعرف طعم الديمقراطية في أرضه، ولا توجد في بلاده انتخابات حرة، أو صحافة مستقلة، أو مؤسسات مدنية حقيقية، يمكن أن يكون نصيرًا للحكم المدني خارج حدوده؟

من يحكمه شيخ، وتُدار بلاده بمنطق الريع، ومصادر قوته أمريكية، لا يمكنه أن يكون رائدًا للحرية! فمن أين تعلم قادة الإمارات أسس الحكم الديمقراطي، حتى يعلموا الشعب السوداني؟

الشعب الذي علّم الشعوب معنى الثورة على الطغيان، حينما فجّر أعظم الثورات الشعبية في المنطقة:

ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2019.

فمن يُعلِّم من؟!

 

 

في نهاية المطاف، لم تكشف تصريحات ابتسام الكتبي شيئًا جديدًا عن تورط بلدها فحسب، بل سلّطت الضوء على بؤس المنظومة الخليجية، التي تعتقد أن المال قادر على شراء كل شيء: التاريخ، والهوية، والسيادة، والكرامة. لكن السودان ليس للبيع. جراحه لا تُداوى بالدراهم، ولا تُنسى بالتبريرات الوقحة.

 

 

 

ولن يحمي الذهب الإماراتي من لعنة من تاجروا بدماء الأبرياء، ومن حوّلوا أرض النيلين إلى ساحة حرب من أجل أرباحهم.

اخترنــــا لك