ضل الحراز : علي منصور حسب الله
في واحدة من أعظم ملاحم الصمود والمقاومة، سطّرت القوات المسلحة السودانية، بمساندة القوات المشتركة، وقوات جهاز الأمن، والبراؤون، ودرع السودان، والداعمين من الشعب، فصلًا جديدًا من المجد والانتصار في معركة الخوي. لقد كانت المعركة بمثابة محرقة حقيقية لمليشيا الجنجويد، التي تكبّدت فيها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، لتُثبت مجددًا أن إرادة الشعوب لا تُقهر مهما عظُم الطغيان.
جاءت هذه المعركة في وقت كانت تسعى فيه المليشيا للإعلان عن ما يُسمى بـ”الحكومة التأسيسية” من مدينة نيالا، وكان قائد ثاني مليشيا الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، يتباهى بمنظوماته الدفاعية وطائراته المسيرة ويوزّع التهديدات يمنة ويسرة. وعلى الرغم من تراجع مستوى الاستنفار، فقد حاول رفع الروح المعنوية المنهارة لقواته، في ظل تدفق مرتزقة أجانب من إفريقيا الوسطى يتبعون لحركة “سيليكا”، بالإضافة إلى آخرين من الصومال وليبيا بقيادة مرتزق يدعى الليبي، إلى جانب خبراء من الإمارات وكولومبيا، وقادة طيران من كينيا وجنوب السودان. ومع كل هذا، تلقت المليشيا ضربات موجعة، بدأت بمطار نيالا، ثم مطار الشهيد صبيرة في الجنينة، ومنطقة جقوجقو في الفاشر، إلى أن جاءت الضربة القاضية بتحرير عدة مناطق في كردفان مثل الحمادي، وأم صميمة، والخوي.
شاركت في معركة الخوي تسع مجموعات قتالية تابعة لمليشيا الدعم السريع، مدعومة بأكثر من 800 مركبة قتالية، لكن هذه القوة الضخمة تحطّمت تحت ضربات أبطال الجيش، والأمن، والقوات المشتركة، الذين واجهوا ببسالة أسطورية لم يُشهد لها مثيل.
تمكّنت القوات المسلحة والقوة المشتركة من استعادة السيطرة على مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، بعد معارك ضارية استمرت تسع ساعات. وقد أدّت المعركة إلى مقتل أكثر من 800 عنصر من مليشيا الدعم السريع، بعد استدراجهم إلى كمين محكم تحولت فيه أرض المعركة إلى مقبرة جماعية. تم الاستيلاء على أكثر من 80 مركبة عسكرية بحالة جيدة، بينما تم تدمير 43 مركبة أخرى في الساعات الأولى للمعركة.
من بين القتلى مرتزقة أجانب، منهم تشاديون كصالح الزبدي، الذي شارك سابقًا في قيادة ميليشيا “سيليكا” في إفريقيا الوسطى، إلى جانب عبد القادر بابا لادا، قائد متمردي الجبهة الشعبية للإصلاح المناهضة لنظام الرئيس التشادي إدريس ديبي، وقد خاض كلاهما الحرب الأهلية في إفريقيا الوسطى عام 2012، ضمن تحالف مع حركة “سيليكا”.
تحاول مليشيا الدعم السريع عرقلة تقدم متحرك “الصياد” التابع للجيش، والذي يضم قوات الجيش وحلفاءه، بعد أن استعاد عدة مدن في شمال كردفان وتقدّم نحو الخوي، كما بلغ محورًا آخر إلى مشارف الدبيبات. يهدف “متحرك الصياد” إلى استعادة السيطرة على مدينة النهود، لاستخدامها كنقطة انطلاق لاجتياح مناطق غرب كردفان الخاضعة لسيطرة المليشيا، والتحرك لفك الحصار عن الفاشر في شمال دارفور.
تُدرك المليشيا جيدًا خطورة توغل الجيش نحو الدبيبات، التي تفصلها عن الفولة، حاضرة ولاية غرب كردفان، خمس محطات صغيرة تُعرف في لغة السكة الحديد باسم “السندات”، وهي: بوطة، سموعة، دقاق، رجل الغلة، والبابوية. إن وصول متحرك الصياد إلى الدبيبات يعني قرب تحرير الفولة، وتوفير غطاء أمني للقوات المسلحة في اللواء 22 بابنوسة، بالإضافة إلى تهديد مباشر لمواقع المليشيا في المجلد والميرم. أما الوصول إلى الخوي ثم النهود، فهو يُقرب المتحركات من مدينة الفاشر، ويفصلها عنها كل من ود بنده، أم كدادة، الكومة، وبروش.
بسبب هذه المخاطر، قامت المليشيا بسحب جنجويدها من محيط الفاشر، ودعمتها بقوات متمركزة في أم بادر، بالإضافة إلى قوات ما يُعرف بـ”فرسان كردفان” بقيادة حسين برشم عبود، وبقايا قوات الهالك شيريا. كما استنفرت مقاتلين من الضعين وجنوب دارفور، مما زاد من عددها وعتادها.
شارك في المعركة متحرك “السيف الباتر” و”الطوفان الثالث” بقيادة العميد خلا حامد موسى بقوج، الذي أُصيب بجروح خطيرة نُقل على إثرها إلى نيالا. وكان “الطوفان الثالث” بقيادة العميد خلا الراحل عبد الواحد أبوبكر، الذي قُتل في معركة النهود. وبعد مقتله، تولى “بقوج” قيادة المجموعتين، قبل أن يُصاب في الخوي، مما يُبرز حجم الضربة التي تلقّتها المليشيا في صفوف قياداتها.
كما شاركت المجموعة (36)، المعروفة بـ”عقرب”، بقيادة اللواء خلا الصادق محمود، الذي قُتل مع جميع عناصر مجموعته، مما يدل على إبادة تامة لهذه الكتيبة.
أما المجموعة (14)، بقيادة يوسف رونش، فقد قُتل مع 90% من أفراد مجموعته، ومعظمهم من منطقة غُرير.
المجموعة (25)، المعروفة بـ”أبطال الصحراء”، بقيادة محمد الدودة، والتي جاءت من الصحراء، تكبّدت خسائر فادحة، خاصة أنها كانت “الفزع” الذي تم استدعاؤه في 14 مايو.
أما المجموعة (22)، المعروفة بـ”طوفان العمليات”، بقيادة حسين رزق الله، فقد أُصيب إصابة خطيرة، مما أدى إلى انهيار فعاليتها القتالية.
المجموعة (19)، المسماة “عيال الشهيد يحي كاتبين”، بقيادة عثمان سليك، أُصيب إصابة خطيرة وربما قُتل. وتُعد من أكثر المجموعات خسارة في الأرواح، حيث قُتل معظم أفرادها، وجلّهم من أم دخن.
المجموعة (28)، بقيادة المرتزق التشادي صالح الزبدي، قُتل بكاملها، بمن فيهم عليان عزالدين، أحد أبرز ضباط استخبارات الجنجويد، المتورط في تصفية الشهيد محمد صديق.
كما شاركت المجموعة (202)، بقيادة “عيساي”، الذي تأكد مقتله، وهو سائق العربة الشهيرة في حادثة “حديد يلاقي حديد”، وظلّت حالته مجهولة حتى تأكد مصرعه في معركة الخوي.
وأخيرًا، المجموعة (27)، المعروفة بـ”ثعالب الصحراء”، التي ضمّت قيادات بارزة مثل: حبيب حبة، ضحية جبارة، علي زكريا، الطيب محمد هندي، ومصطفى حسين ضي النور، وقد قُتل جميعهم، باستثناء مصطفى، الذي أُصيب خلال المعركة.
لم تكن معركة الخوي مجرد مواجهة ميدانية، بل كانت معركة كسر إرادة، ومحاولة لاستعادة زمام المبادرة في صراع فُرض على شعب السودان. إن انتصار الخوي يُمثّل رسالة واضحة بأن المعنويات مرتفعة، والخط العسكري متماسك، والإيمان بالوطن لا يزال وقّادًا.
لقد كشفت المعركة هشاشة تنظيم الجنجويد، مهما حاول تضخيم نفسه، وأثبتت أن الكفة تميل لمن يُقاتل من أجل الأرض والعِرض والكرامة، لا لمن يُجنّد المرتزقة ويشتري الولاءات بدماء الشعب.
وفي الختام، ستُعد معركة الخوي علامة فارقة في مسار الحرب، وستُدوَّن في سجل الانتصارات كرمز للبطولة والفداء، يفتخر به كل سوداني حر.