الإمارات وانتهاك اتفاقية فيينا: عندما تصبح السياسة أداة للعبث بالقانون الدولي

ضل الحراز: علي منصور حسب الله

 

 

 

في سابقة مشينة ومخالفة لكل الأعراف الدولية، أقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة على ارتكاب خرق فاضح لميثاق العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، بإبعادها عددًا من أعضاء القنصلية العامة السودانية في دبي، في خطوة تعكس استهتارًا مقلقًا بالشرعية الدولية وبالحد الأدنى من قواعد الاحترام المتبادل بين الدول.

 

ما حدث لا يمكن وصفه إلا بأنه تعدٍّ صريح ومقصود على اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) والقنصلية (1963)، إذ جرى اعتقال دبلوماسيين بعد انتهاء مهامهم الرسمية، ومصادرة أجهزتهم الشخصية، واستجوابهم بطريقة مهينة تتنافى مع الحصانة المكفولة لهم بموجب القانون الدولي. المادة 29 من اتفاقية 1961 تنص على حرمة الشخص الدبلوماسي وعدم جواز توقيفه أو احتجازه. كما تحظر المادة 27 تفتيش الأمتعة أو مصادرة المراسلات أو الأجهزة التي تدخل ضمن حرمة العمل الدبلوماسي، في حين توجب المادة 36 تسهيل مغادرتهم دون إبطاء أو عراقيل.

 

لكن الإمارات، في تعدٍ صارخ وغير مبرر، داست على هذه المبادئ، في موقف لا يمكن تفسيره إلا باعتباره ازدراءً فاضحًا لسيادة السودان، وتحقيرًا لممثليه، ورسالة بالغة السلبية لكل دول العالم مفادها أن القانون الدولي لا وزن له حين تتغلب عليه الحسابات السياسية الضيقة.

 

الأخطر من ذلك، أن هذه الانتهاكات لم تقتصر على الطاقم الدبلوماسي فحسب، بل انعكست بشكل مباشر على الجالية السودانية، التي حُرمت من خدمات قنصلية أساسية كتوثيق المستندات وتجديد الجوازات، في وقت يعيش فيه السودان واحدة من أشد أزماته الإنسانية والسياسية. إن هذا الإبعاد التعسفي للمسؤولين القنصليين، وعلى رأسهم المعنيون بشؤون الجوازات، لا يمكن فهمه إلا كاستهداف فج ومقصود للجالية السودانية وحرمانها من الدعم القنصلي الذي تكفله اتفاقية فيينا لعام 1963، وتحديدًا المادة 5 التي تلزم الدولة المضيفة باحترام الدور القنصلي في رعاية مصالح الجاليات الأجنبية.

 

ما قامت به الإمارات ليس مجرد “تجاوز” دبلوماسي، بل هو انتهاك قانوني جسيم، قد يشكل سابقة مقلقة تُقوّض النظام القانوني الدولي برمّته، وتبعث برسائل مدمّرة حول طبيعة الالتزام بالاتفاقيات الدولية. فالمواد 22، 30، و31 من اتفاقية 1961، إلى جانب المواد 23، 26، و27 من اتفاقية 1963، وضعت بدقة لحماية العلاقة بين الدول، حتى في حالة الخلاف، وليس لشرعنة الاعتداء أو الإهانة.

 

إن خضوع الإمارات لنزوات سياسية وتجاوزها لهذه الأعراف القانونية، يعكس تراجعًا خطيرًا في احترام سيادة الدول وممثليها، ويضعها في خانة الدول التي تتعامل بازدواجية صارخة مع مبادئ الشرعية الدولية.

 

 

في الختام، على الإمارات أن تتحمل مسؤوليتها القانونية أمام هذا السلوك المشين، وأن تتراجع فورًا عن هذه التجاوزات الفادحة إن أرادت أن تُبقي على ما تبقى من صورتها كدولة تحترم القانون الدولي. فالصمت الدولي أو التبرير الدبلوماسي لمثل هذه الأفعال لن يؤدي إلا إلى فوضى دولية تتآكل معها الأسس القانونية للعلاقات بين الدول، وتفتح الباب لصراعات بلا ضوابط ولا حدود.

 

َ

اخترنــــا لك