د. كامل إدريس وتحدي العبور من المهجر إلى مركز القرار

ضل الحراز: علي منصور حسب الله 

 

 

في خطوة مفصلية لإعادة ترتيب المشهد السياسي السوداني، أصدر رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مرسوماً بتعيين الدكتور كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ رئيساً للوزراء. يأتي هذا التعيين في ظل واقع مأزوم سياسياً وأمنياً واقتصادياً، يتطلب قيادة ذات رؤية وخبرة وكفاءة. فهل يكون الدكتور كامل هو رجل المرحلة؟

 

 

الدكتور كامل إدريس ليس وجهاً جديداً في المحافل الدولية، بل هو شخصية مرموقة لها باع طويل في العمل القانوني والدبلوماسي، على المستويين الإقليمي والدولي. فمن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، التي التحق بها منذ العام 1982 حتى شغل منصب مديرها العام، إلى عضويته في لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة، وأمانته العامة للاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية، ترك بصمة واضحة في كل المحطات التي مر بها. هذا بالإضافة إلى عمله في السلك الدبلوماسي السوداني، وتمثيله البارز لمجموعة الدول النامية، مما منحه شبكة علاقات واسعة في دوائر القرار العالمي.

 

 

ولكن، وعلى الرغم من هذا السجل المشرق، يواجه الدكتور كامل تحدياً داخلياً حقيقياً يتمثل في ابتعاده الطويل عن السودان. فالغربة – رغم ما تمنحه من خبرة واتساع أفق – قد تُفقد السياسي الإحساس النبضي بتفاصيل الواقع المحلي. السودان ليس دولة تُدار من خلال النظريات أو الحنين، بل من خلال فهم عميق لتعقيداته البنيوية، ومعرفة ألغام الواقع السياسي والاجتماعي فيه.

 

 

ومن هنا، فإن أكبر اختبار للدكتور كامل ليس في ماضيه المهني، بل في حاضره وقدرته على تحويل تجربته الدولية إلى أدوات عملية لبناء الدولة. عليه أن يوظف علاقاته لا لكسب دعم خارجي فقط، بل لاستعادة ثقة الداخل، وهذا يتطلب خطوات شجاعة تبدأ من تشكيل حكومة تعبر عن روح المرحلة، لا عن توازنات المحاصصة أو ضغوطات المصالح.

 

سيُواجه بلا شك ضغوطاً للبقاء على بعض الوزراء أو تعيين آخرين وفقاً لـ”الشللية” و”قريبي وقريبك”، وهي آفة نخرت في جسد الدولة السودانية منذ الاستقلال. عليه أن يقف بحزم ضد ثقافة المحسوبية، ويضع الكفاءة والنزاهة معياراً وحيداً في اختياراته. الأهم من ذلك، أن لا يركن إلى ما يُقال أو يُوشى به، بل أن يبني قراراته على معلومات دقيقة، وتحليلات واقعية، لا على السمع والظنون.

 

 

إن الفرصة مواتية أمام الدكتور كامل لإعادة رسم العلاقة بين السودان والعالم، ولكن قبل ذلك، عليه أن يعيد ترتيب البيت من الداخل. هذا التحدي سيكون معيار الحكم عليه. فإن نجح، يكون قد حوّل غربته الطويلة إلى نقطة قوة، وإن أخفق، فسيكون مصيره كمصير من سبقوه في مشهدٍ سوداني أرهقته الخيبات.

 

فهل ينجح د. كامل إدريس في هذا العبور الصعب من المهجر إلى مركز القرار؟ نرجو ذلك. والأمل، رغم كل شيء، لا يزال حياً.

اخترنــــا لك