مليشيا آل دقلو ونظام الأبارتهايد (2)علي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

 

تُمارس مليشيا الدعم السريع سياسة المحسوبية بصورة ممنهجة، حيث تُفضّل الأقارب من الماهرية، لا سيما من فروع أولاد منصور، وأولاد قايد، والحمدانية، والحجايا، بالإضافة إلى الأصدقاء والمقرّبين، في الحصول على الرتب العسكرية والامتيازات الخاصة. ويتم ذلك على حساب مبدأ الجدارة والكفاءة، الذي يُفترض أن يكون الأساس في الترقية والتكريم.

 

كما تُستخدم القوة والعنف، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، لقمع أي احتجاجات أو معارضة لنظام الأبارتهايد المليشياوي. فقد أصبح من المعتاد اعتقال وسجن المواطنين فقط لعدم إعلانهم التأييد العلني للمليشيا. وقد أدّى هذا إلى تحويل مناطق إقامة المدنيين إلى ما يشبه نظام “البانتوستانات”، الذي أنشأته حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث تم عزل السود في مناطق خاصة ومنعهم من المشاركة السياسية والاقتصادية.

 

هذا النظام الاستعماري الثيوقراطي، الذي تقوده المليشيا، يسعى للهيمنة على الأرض والموارد، في ممارسة فاضحة للفساد الإداري وتكريس للتمييز وعدم المساواة، ما يُعدّ من الأسباب الجوهرية لاشتعال الصراعات، رغم أن قادة المليشيا يزعمون أن الحرب اندلعت لمحاربة التهميش والتمييز.

 

وكانت هذه المحسوبية سبباً مباشراً في انشقاق القائد الميداني أحمد محمد عبد الله، المعروف بـ”مَدوّ”، الذي أعلن انضمامه إلى مجلس الصحوة. ويُذكر أن “مدوّ” كان يحمل رتبة نقيب في قوات حرس الحدود، وقد عمل سابقاً مع القائد العام للقوات المسلحة حينما كان يتولى قيادة تلك القوات.

 

وفي حديثه عن أسباب انشقاقه، أوضح “مدوّ” أن المشاركين في المعارك من أبناء قبيلة الرزيقات لم يحصلوا على أي تعويضات، رغم تعرّض العديد منهم لإصابات خطيرة. وقد فقدت القبيلة أكثر من ألفي مقاتل خلال تلك المعارك.

 

لكن الظلم لم يقتصر على القبائل الأخرى فحسب، بل طال حتى بعض فروع الرزيقات أنفسهم، كـالنوايبة والمحاميد، قبل العريقات والزبلات، وهم من أبناء عمومتهم. كما شمل بقية بطون الماهرية الذين لا ينحدر منهم قادة المليشيا.

 

أما قبائل العطاوة الأخرى، مثل المسيرية، الهبانية، الحوازمة، والتعايشة، فقد صُنِّفوا كمجرد “بندقجية” و”كشفشافة”، في استهانة واضحة بمكانتهم، ما يعكس سياسة التمييز المستمرة. وقد امتد هذا التهميش ليشمل قبائل أخرى مشاركة ضمن المليشيا مثل الترجم، الفلاتة, الحوطية, المهادي, الصعدة، وغيرهم، ممن يُستغلون كـ”تمومة جرتق”.

 

فعلى سبيل المثال، تعرّضت قبيلة المسيرية لانتهاك واضح عندما صدر قرار من لجنة العرف والإدارة الأهلية التابعة للمليشيا بترحيل أسرة الناظر الشوين إلى منطقة التبون، في خطوة تعكس الإقصاء والتمييز المنهجي.

 

أما الجرحى من أفراد القبائل الأخرى، فغالباً ما يُتركون لمصيرهم، في انتظار علاج قد لا يأتي. ويضطر بعضهم لتحمّل نفقات العلاج على نفقتهم الخاصة، إن وُجد العلاج أصلاً. وقد خرج عدد من الجرحى في أكثر من مناسبة بتنظيم وقفات احتجاجية في مدينة نيالا، اعتراضاً على هذا التمييز الفاضح.

 

اليوم، تكتظ سجون نيالا وكأس بالمعتقلين من مختلف القبائل، بتهم التعاون مع الجيش أو الانتماء إلى “الكيزان”؛ وهي تهم لا تُوجَّه إلى أبناء “المصارين البيض”، رغم أن الكيزان منهم يتبوؤون الآن مناصب قيادية داخل المليشيا.

 

وفي المقابل، يحصل أبناء “الطبقة العليا” من الماهرية – وتحديداً من أولاد منصور، وأولاد قايد، والحمدانية، والحجايا – على الرعاية الطبية الكاملة في مستشفيات أبوظبي، بدعم مباشر من حكومة الإمارة المتورطة في الصراع السوداني، ما يعكس اختلالاً صارخاً في موازين العدالة داخل بنية المليشيا نفسها.