بورتسودان الشارع السوداني
أكدت الأمم المتحدة أنها تبذل جهودًا متسارعة للوصول إلى مدينتي الفاشر والدلنج في ظل الأزمة الإنسانية الخانقة التي يعيشها المدنيون جراء الحصار المفروض من قبل مليشيا الدعم السريع والتي تتهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ترقى إلى جرائم حرب جاء ذلك على لسان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في السودان دانيس بروان التي أعلنت عقب تسلمها مذكرة احتجاجية من منظمات سودانية أمام مقر الأمم المتحدة في مدينة بورتسودان أنها وصلت السودان قبل أيام لتولي مهامها الجديدة كممثلة للأمين العام أنطونيو غوتيريش وأكدت بروان أن السودان يُعد “شريكًا أصيلًا” للأمم المتحدة، مشددة على أن المنظمة الدولية تضع الأزمة السودانية ضمن أولوياتها القصوى وأضافت: “ما يجري في مدينة الفاشر يحظى بمتابعة دقيقة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ونحن نشعر بعمق المعاناة التي يعيشها المواطنون هناك”، مشيرة إلى أهمية التحرك العاجل من أجل تخفيف الأزمة الإنسانية، وضمان وصول المساعدات للمدنيين المحاصرين.
احتجاجات شعبية وضغوط على المجتمع الدولي
وكانت الآلية الوطنية لفك حصار مدينة الفاشر بالتعاون مع رابطة الشعوب السودانية، قد نظّمت وقفة احتجاجية حاشدة صباح الإثنين أمام مقر الأمم المتحدة في بورتسودان، رفضًا لما وصفوه بـ”الصمت الأممي تجاه الجرائم والانتهاكات” التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين في الفاشر ودارفور الكبرى.
وخلال الوقفة، سلّم المشاركون مذكرة رسمية طالبت الأمم المتحدة بالتدخل العاجل لفك الحصار عن الفاشر، وإنقاذ أرواح الآلاف من المدنيين الذين يعيشون أوضاعًا كارثية تحت تهديد الجوع والعطش والاعتداءات المسلحة.
دعوات محلية للتدخل الدولي العاجل
وفي تصريح قوي، شدّد السلطان صلاح الدين الفضل، سلطان دارفور المكلّف، على أن ما يجري في الفاشر هو جريمة ضد الإنسانية تتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا، ودعا الأمم المتحدة إلى “فضح ممارسات المليشيا المتمردة” واتخاذ خطوات ملموسة لحماية السكان المدنيين.
من جانبه، أشار الملك يعقوب آدم إلى أن مليشيا الدعم السريع تمارس “انتهاكات خطيرة تشمل الحصار والتجويع والترويع”، مناشدًا المجتمع الدولي بـ”الخروج من دائرة الصمت، واتخاذ إجراءات عملية وفعالة لإيقاف هذه الجرائم التي تهدد مستقبل السودان ووحدة أراضيه”.
صوت دينكا أبيي: كرامة السودان فوق كل اعتبار
وأكد شوال موين بول، رئيس المجلس الأعلى لتنسيق شؤون دينكا أبيي في السودان، أن المذكرة الاحتجاجية تعبّر عن إصرار الشعب السوداني على الدفاع عن حقوقه وكرامته. وقال: “الشعب السوداني لديه كرامة في الإنسانية، ومن حقه أن يعيش بسلام وأمان، وأن يكون حاضرًا على خارطة العالم كدولة ذات سيادة وعضو فعّال في الأمم المتحدة”، موجهًا انتقادات لاذعة لما وصفه بـ”تماطل المجتمع الدولي” في الوقوف مع السودان ضد المليشيات المسلحة والدول التي تدعمها بالسلاح والتمويل.
صرخة نسائية من قلب المعاناة
من جهتها، تحدثت د. رشيدة أحمد، ممثلة المرأة السودانية، بكلمات مؤثرة أمام مقر الأمم المتحدة، قائلة: “جئنا لنُسمع صوت العدالة الذي طال صمته. نساء الفاشر ودارفور وكردفان يتعرضن لعنف جسدي ونفسي، وتهجير قسري، وفقدان سبل العيش الكريم. هذه الانتهاكات ستبقى جرحًا غائرًا في الضمير الإنساني”.
ودعت رشيدة إلى إدانة دولية صريحة للانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، وتجريم الأطراف الإقليمية والدولية التي تزوّدها بالمال والسلاح، كما شددت على ضرورة تصنيف المليشيا المتمردة كمنظمة إرهابية، ومحاسبتها أمام المجتمع الدولي على الجرائم التي ارتكبتها بحق الأبرياء، خاصة النساء والأطفال.
دعوات لمجلس الأمن والجنائية الدولية
وسط هذا التصاعد في الأصوات المطالبة بالتحرك، يتزايد الضغط على مجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان للتحقيق الفوري في الانتهاكات المرتكبة في الفاشر وعموم دارفور، وتحريك ملفات قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة المليشيات المسؤولة عن الفظائع.
ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المخاوف من كارثة إنسانية وشيكة في مدينة الفاشر، التي تعاني من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وسط تقارير متزايدة عن حالات وفاة بين الأطفال والنساء وكبار السن بسبب الحصار الخانق وغياب الخدمات الطبية.
رسالة المحتجين
الرسالة التي أطلقها المحتجون في بورتسودان، وعبّرت عنها المنظمات والشخصيات الوطنية، كانت واضحة: لم يعد الصمت مقبولًا، والمجتمع الدولي مطالب بتحمّل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية تجاه شعب يواجه الإبادة بصمت العالم.
السودان، الذي ما زال يبحث عن السلام بعد سنوات من الحرب، يحتاج اليوم إلى إرادة دولية جريئة تقف في وجه الفوضى، وتعيد للمدنيين حقوقهم في الحياة، والكرامة، والأمان.
