في سياق التعديلات المقترحة على قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م (3)

ضل الحراز:  علي منصور حسب الله

 

 

لم يُشارك الاتحاد العام للصحفيين السودانيين في الورشة الخاصة بمناقشة التعديلات المقترحة على قانون الصحافة والمطبوعات، رغم أهمية مشاركته كمكوّن مهني أصيل في الساحة الصحفية. ومع ذلك، قدّم رئيسه الأستاذ الصادق الرزيقي مداخلة عبر الفيديو، وكذلك نائبه الأستاذ محمد الفاتح، في مؤشر على الحرص على الحضور ولو بالحد الأدنى في نقاشات تمس جوهر المهنة وواقعها القانوني.

يُعد قانون الصحافة من القوانين ذات الأهمية البالغة، إذ يُكرّس لحرية التعبير، ويوفر إطارًا قانونيًا يحمي الحقوق والحريات الأساسية للصحفيين والمواطنين. كما يسهم في تنظيم قطاع الإعلام وضبط أدائه، ويُبقيه مسؤولًا أمام المجتمع، سعيًا للحفاظ على جودة المحتوى الإعلامي، وحماية المتلقين من التضليل أو الأخبار الزائفة، مع توفير بيئة آمنة وواسعة للإعلاميين لممارسة دورهم المهني.

ومن أبرز إنجازات قانون عام 2009م، إعادة السجل الصحفي إلى مظلة الاتحاد، بحيث لا يقتصر دور اتحاد الصحفيين على الجوانب الخدمية فحسب، بل يمتد ليشمل سلطة الإشراف على هذا السجل. وهي إحالة مهنية ضرورية، بصرف النظر عن الأشخاص أو توجهاتهم السياسية، لأن هذا هو النظام المتبع عالميًا في تنظيم العمل الصحفي.

ومن الضروري التأكيد على أن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين لا يزال جسمًا شرعيًا، حتى وإن انتهت فترة ولاية مكتبه التنفيذي. فشرعيته تنبع من كونه مؤسسة مهنية مستقلة لا ترتبط عضويتها بأي توجه سياسي، على عكس بعض الأجسام الصحفية التي نشأت بعد الثورة، والتي أُسست في الغالب على أسس سياسية أو فكرية ضيقة، وارتبطت عضويتها بالولاء لتلك التوجهات، لا بالمهنية وحدها.

 

يُذكر أن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين عضو فاعل في الاتحاد العام للصحفيين العرب، وهي منظمة مهنية عربية مقرها الدائم القاهرة، وتضم في عضويتها 19 نقابة تمثل الصحفيين في الدول العربية. كما أن الاتحاد السوداني عضو في الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي يمنح أعضاءه بطاقة صحفية دولية معترف بها في أكثر من 146 دولة حول العالم وتُعتبر هذه البطاقة المهنية وثيقة دولية تُثبت الوضع الصحفي لحاملها، وتمنحه الحماية التي تكفلها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، فضلًا عن تمكينه من الاستفادة من خدمات مهنية متعددة. بل إن هذه البطاقة تُعد، في كثير من البلدان، الوثيقة الوحيدة المعترف بها من قِبل النقابات الوطنية للصحفيين، مما يعزز من مكانة الاتحاد السوداني بوصفه جهة مهنية معترف بها عالميًا.

 

وبناءً على ما سبق، فإن النظر إلى مسألة إشراك الاتحاد في صياغة مسودة التعديلات على قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م من منظور سياسي، أو تقييمه استنادًا إلى مواقف شخصية من المكتب التنفيذي، هو أمر يُفرغ النقاش من مضمونه المهني، ويسيء إلى مفهوم المؤسسية، التي يفترض أن تكون المرجعية الأساسية في هذا السياق. فالمكاتب التنفيذية تتغير، أما المؤسسة فتبقى، وهي التي ينبغي أن تحظى بالاحترام والدعم، بعيدًا عن الأهواء والاصطفافات.

 

إن التمسك بإشراك الاتحاد العام للصحفيين السودانيين في إعداد مسودة التعديلات هو دعوة للالتزام بالمؤسسية، لا دفاعًا عن أشخاص، بل حفاظًا على دور المؤسسة في العملية التشريعية المنظمة للصحافة. كما أن المطالبة بـ”تعديل” قانون 2009م، لا “إلغائه”، نابعة من رغبة في تطوير الإطار القانوني للمهنة، بما يواكب المتغيرات السياسية والتقنية، لا من رغبة في محو كل ما سبق الثورة دون تمحيص.

 

أما الادعاء بأن القانون قد أُجيز في ظل نظام شمولي، فهو ادعاء مردود، لأن القانون الجديد المزمع إجازته لن يصدر عن مجلس تشريعي منتخب، بل عن سلطات انتقالية لا تملك التفويض النيابي الكامل. والمفارقة أن كثيرًا من القوانين مثل قانون قوات الدعم السريع قد أُجيزت في ذات المجلس الوطني الذي أجاز قانون الصحافة لعام 2009م، بل إن الوثيقة الدستورية نفسها لم تُجز عبر مجلس تشريعي منتخب، مما يُضعف منطق الاعتراض على قوانين المرحلة السابقة بحجة “الشرعية السياسية”.

 

يُعد قانون الصحافة والمطبوعات حجر الأساس في تنظيم الممارسة الإعلامية، إذ يضع الإطار الذي يُحدد الحقوق والواجبات، ويضمن حرية التعبير ضمن حدود القانون والمسؤولية الأخلاقية. وهو بذلك يُحقق توازنًا بين حرية الإعلام وحق المجتمع في الوصول إلى معلومات موثوقة، ويُسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال دعم دور الصحافة الرقابي في مكافحة الفساد والانحراف الإداري.

 

من هنا، يجب أن يتم تطوير هذا القانون بروح منفتحة، تُراعي متطلبات العصر وتحديات المهنة، لا عبر اجتثاث ما مضى لمجرد أنه جزء من تاريخ سابق، بل عبر مراجعة نقدية بناءة تستوعب التحولات المهنية والتكنولوجية، وتُعزز من حماية الصحفيين، وتُفعّل دور المؤسسات الإعلامية بوصفها ركائز أصيلة في البناء الديمقراطي.

 

ويتضمن رؤية حول الصحافة الرقمية التي غيّرت بنية العمل الإعلامي التقليدي، وفرضت واقعًا جديدًا يقوم على السرعة، والتفاعل، والانفتاح على جمهور غير محدود. ورغم ما توفره من فرص واعدة، فقد جاءت بتحديات كبيرة، أبرزها انتشار الأخبار المضللة، وضعف التنظيم القانوني للمحتوى الرقمي، وهشاشة البنى المهنية لبعض المنصات التي تفتقر إلى الالتزام بالمعايير الصحفية الراسخة.

 

لذلك، فإن الرؤية المتكاملة للصحافة الرقمية تتطلب أن يتضمن قانون الصحافة والمطبوعات بنودًا واضحة تُنظم النشر الإلكتروني، وتُحدد من هو الصحفي الرقمي، وتمنح المنصات الرقمية الجادة الاعتراف القانوني والمهني، ضمن إجراءات تضمن المهنية والعدالة، مع تفعيل آليات المساءلة دون التضييق على حرية التعبير.

 

كما ينبغي أن تتمتع الصحافة الرقمية بنفس الحقوق والحماية التي تتمتع بها الصحافة الورقية، من حيث الوصول إلى المعلومات، والحق في التدريب والتأهيل، وحماية المصادر الصحفية، وضمان الأمن الرقمي، خصوصًا أن عددًا من الصحفيين الرقميين باتوا عرضة لانتهاكات متكررة، في ظل فراغ تشريعي لا يواكب الطفرات التقنية.

 

وبالتالي، فإن الحديث عن تطوير قانون الصحافة يجب أن يُبنى على أسس مهنية ومؤسسية، لا على تصفية حسابات سياسية أو شخصية،