نجامينا – الشارع السوداني
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والشعبية، صادقت الجمعية الوطنية في تشاد، خلال جلستها العامة التي انعقدت يوم الاثنين 15 سبتمبر 2025، على تعديل دستوري يقضي بتمديد فترة الولاية الرئاسية إلى سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة الجلسة، التي ترأسها رئيس الجمعية علي كولوتو تشايمي، شهدت أجواءً مشحونة وانقساماً حاداً بين النواب، حيث قاطع عدد من نواب المعارضة الجلسة وغادروا القاعة احتجاجاً على ما وصفوه بـ”انقلاب دستوري ناعم” يهدف إلى تكريس هيمنة السلطة التنفيذية وتقويض التوازن بين السلطات ورغم محاولات رئاسة الجلسة تهدئة الأوضاع، فإن النقاشات اتسمت بالحدة، خصوصاً في ظل مشاركة الأمينة العامة للحكومة الدكتورة رحمتو هوتوين، التي حاولت تبرير التعديلات بأنها جزء من “مراجعة فنية” للدستور تهدف إلى تعزيز الاستقرار المؤسسي وضمان وضوح آليات انتقال وتداول السلطة وقد تمت المصادقة على التعديل بأغلبية كبيرة، حيث صوت 171 نائباً لصالح المقترح، مقابل امتناع صوت واحد فقط، في حين انسحب عدد من نواب المعارضة قبيل التصويت، تعبيراً عن رفضهم للخطوة التي وصفوها بأنها “تمهيد لتحصين السلطة الرئاسية من الرقابة والمساءلة”.
تفاصيل التعديل وأبعاده السياسية
ينص التعديل الجديد على تحديد مدة الولاية الرئاسية بسبع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، ما يعني أن الرئيس المقبل أو الحالي إن أُعيد انتخابه قد يحكم لفترة قد تصل إلى 14 عاماً متتالية ورغم أن الحكومة تصف هذا التعديل بأنه ضروري لتحقيق الاستقرار السياسي والإداري في البلاد، ترى قوى المعارضة وبعض منظمات المجتمع المدني أن هذه الخطوة تمثل تراجعاً عن المبادئ الديمقراطية التي نص عليها دستور 29 ديسمبر 2023، والذي تم إقراره عقب مشاورات وطنية طويلة وشاقة أعقبت المرحلة الانتقالية في البلاد.
ردود الفعل والانقسام الحاد
القوى المعارضة وعلى رأسها التحالف من أجل التغيير الديمقراطي، عبرت عن رفضها القاطع للتعديل، معتبرة أنه يهدف إلى تأبيد الحكم وإغلاق المجال أمام التناوب السلمي على السلطة، في وقتٍ ما زالت فيه البلاد تواجه تحديات سياسية واقتصادية وأمنية جسيمة، لا سيما في المناطق الحدودية وقال أحد النواب المنسحبين في تصريح لـ(الشارع السوداني) (ما جرى اليوم لا علاقة له بالإصلاح الدستوري، بل هو محاولة لإعادة صياغة النظام السياسي بما يضمن بقاء نفس الوجوه في السلطة تحت غطاء القانون)
مراقبون: الأغلبية البرلمانية تصطف خلف الحكومة
ويرى مراقبون أن التصويت الكاسح لصالح التعديل يعكس تماسك الأغلبية البرلمانية خلف خيارات الحكومة الحالية، وربما يشير إلى اصطفاف سياسي واسع قد يمهد الطريق لمرحلة جديدة من “إعادة هندسة النظام السياسي” وفقاً لأولويات السلطة التنفيذية لكن في المقابل، يحذر البعض من أن غياب التوافق الوطني حول التعديلات الدستورية قد يؤدي إلى تأزيم الوضع الداخلي، في وقت تتجه فيه أنظار المجتمع الدولي إلى تشاد، باعتبارها إحدى الدول المحورية في منطقة الساحل، حيث تتداخل الأزمات الأمنية والسياسية.
خلفية: دستور 2023 وأمل التغيير
يُذكر أن دستور 29 ديسمبر 2023 جاء في أعقاب عملية انتقالية صعبة أعقبت وفاة الرئيس السابق إدريس ديبي إتنو، وقد اعتُبر حينها خطوة نحو بناء نظام ديمقراطي أكثر شمولاً، يتيح مشاركة أوسع للقوى المدنية والسياسية غير أن هذا التعديل الجديد يثير تساؤلات حول مدى التزام السلطات بالتوجه الديمقراطي، خصوصاً في ظل مناخ إقليمي يشهد تحولات كبيرة وتراجعاً في ثقة الشعوب الإفريقية بالمؤسسات المنتخبة وتُعد المصادقة على هذا التعديل لحظة فاصلة في المشهد السياسي التشادي، إذ تكشف عن صراع حقيقي بين رؤيتين لمستقبل البلاد: واحدة تنشد الاستقرار عبر تمديد صلاحيات الرئيس، وأخرى تنادي بتكريس مبدأ تداول السلطة كضمانة وحيدة لحماية الديمقراطية ومع اتساع الهوة بين المعارضة والموالاة، يبقى السؤال مطروحاً فهل ستقود هذه التعديلات إلى استقرار فعلي أم إلى مزيد من الاحتقان السياسي؟
