وليد جنا: حسن جاموس الجديد

ضل الحراز

 

بقلم علي منصور حسب الله

 

 

في ثمانينيات القرن الماضي حين دفع معمر القذافي بقواته بقيادة خليفة حفتر لاجتياح شريط أوزو ظهر نجم القائد الأسطوري حسن جاموس أحد أبرز القادة العسكريين في تاريخ تشاد الحديث برز اسمه في قلب الصراع بين تشاد وليبيا حول الشريط الحدودي الغني بالموارد والذي كان مسرحًا لمعارك طاحنة وتدخلات دولية متشابكة

وُلد حسن جاموس في أوائل الستينيات وتلقى تدريبه العسكري في فرنسا ثم عاد إلى بلاده ليتبوأ مواقع قيادية في الجيش التشادي ذاع صيته كقائد ميداني بارع خلال المواجهة مع القوات الليبية التي كانت مدعومة من القذافي وتسعى لبسط نفوذها على شمال تشاد

في عام 1987 قاد جاموس حملة عسكرية خاطفة انتهت بطرد القوات الليبية من (شريط أوزو) باستخدام تكتيكات مباغتة وأسلحة خفيفة في مواجهة جيش ليبي مدجج بالعتاد الثقيل في تلك الحرب ابتدع جاموس مفهوم (حرب التايوتا) وطبّق نظرية (كروزر يلاقي كروزر) فحقق انتصارًا ساحقًا على خليفة حفتر وتمكن من أسره في معركة وادي الدوم حين دخلت قواته إلى مركز قيادة حفتر الذي استسلم دون مقاومة تُذكر في لحظة وصفها البعض بـ(الذهول الكامل) إذ لم يكن حفتر قد استوعب ما جرى مرت السنوات وعاد خليفة حفتر إلى ليبيا محاولاً بناء مشروع عسكري خاص به فتحوّل إلى تاجر حرب وبدأ في دعم مليشيات ومرتزقة أبرزهم مليشيا الدعم السريع ضمن مشروع إماراتي يسعى للهيمنة على السودان والموانئ الأفريقية

لكن التاريخ لا ينسى فقد ظهر الشاب عبد الله آدم صبي المعروف باسم (وليد جنا) ليعيد إلى الأذهان روح حسن جاموس في واقعة وصفت بأنها من (المستحيلات الممكنة) اقتحم وليد جنا مصفاة الجيلي بعربة لاندكروزر مخترقًا حقل ألغام بسرعة جنونية انفجرت الألغام تباعًا لكنها لم تمنعه من الوصول وكأن المشهد بأكمله يبعث برسالة ساخرة إلى مليشيا الدعم السريع وراعيها الإمارات ومرتزقهم القديم خليفة حفتر بأن (الألغام لن تعصمكم من بأسنا فنحن عازمون على تطهير الوطن من رجسكم)

ظل الناس يتناقلون هذه الواقعة بكثير من الإعجاب والذهول حتى أتت معركة أم صميمة حيث واجه وليد جنا بعربته الـ(لاندكروزر) عربة مصفحة فصدمها وقلبها رأسًا على عقب في مشهد يعجز عقل الحرب عن تفسيره لكنه كان مفتاحًا لنصر كبير

تكررت هذه المشاهد التي بدت وكأنها مقتبسة من أفلام الأكشن حيث يؤديها دوبلير بدلًا من الممثل الحقيقي نظرًا لخطورتها المفرطة لكن وليد جنا كان البطل الحقيقي دون بديل ودون مؤثرات وإنما بشجاعة وإيمان مطلقين

وأمس في بارا طبّق وليد جنا نظريته الجديدة

(برندي يقابل برندي) وهي تطوير عبقري لنظرية (كروزر يقابل كروزر) التي أرساها معلمه حسن جاموس لتتحول أرض المعركة إلى لوحة تكتيكية مذهلة أعادت صياغة قواعد الاشتباك

فالتحية لهذا الفارس وليد جنا الذي لا يمثل فقط نموذجًا للبسالة بل هو مدرسة عسكرية ميدانية قائمة بذاتها ولو كانت هناك نظرة استراتيجية بعيدة المدى لكان لزامًا على قيادة القوات المسلحة السودانية أن تتبنى هذا الفتى وأن تفتح له أعلى أبواب التدريب والتأهيل ليقوم بتدريب أقرانه من فرسان الجيش السوداني مستفيدين من خبراته العملية وحنكته الفطرية وجرأته التي لا تعرف المستحيل

 

 

آخر الضل

 

 

تبقى رسالة الشعب واضحة نطالب بترقية استثنائية للبطل وليد جنا تقديرًا لبطولاته واعترافًا بإسهاماته الكبرى في مواجهة مليشيا الدعم السريع ومرتزقة حفتر وحفاظًا على تقاليد الجندية التي لا تبخل على أبطالها بالتكريم اللائق فهل تفعلها يا القائد؟