بين التمييز والاتهامات.. قضية رفقة عبد الرحمن نموذجاًعلي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

ضل الحراز

 

بقلم علي منصور حسب الله

 

في كل أوقات الأزمات والحروب التي تعصف بأي دولة لا تتوانى الأجهزة الأمنية في اتخاذ إجراءات صارمة قد تصل أحيانًا إلى الاعتقال على خلفيات واهية وهذا ما كان واقعًا خلال أزمة دارفور حيث تعرضنا ضمن كثيرين للاعتقال لمجرد نشر مواد صحفية أو التعبير عن آراء وتم تفسير هذه الأفعال حينها على أنها دعم لحركات الكفاح المسلح ورغم قسوة ذلك الظرف لم نكن نلوم الأجهزة الأمنية كثيرًا فقد كان الأمر يتطلب حرص الدولة على استقرارها وإن كنا نشعر بالمرارة واليوم بينما يعيش السودان أبشع حروبه وأقساها ويتجرع المواطنون ثمن الدم والدمار لم تتوقف الانتهاكات بل ازدادت حدتها لم تعد أرواح الناس فقط عرضةً للخطر بل تعدى الأمر إلى انتهاك العرض وتهديد الأمن المجتمعي وسط انتشار واسع لمجموعات متعاونة مع المليشيا حسبما أكد الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة الذي تحدث بصراحة عن وجود عملاء داخل مؤسسات الدولة

في هذا السياق تبرز قضية الفتاة رفقة عبد الرحمن الشهيرة بكنية (صائدة البمبان) كنموذج صارخ للتمييز في تطبيق القانون فالفتاة من منطقة شمبات المعروفة وقد شهد كثير من أبناء أحياء الحلفايا ضدها بمنشورات واضحة لا تقبل اللبس ووجه لها الكثيرون اتهامات تشير إلى تعاونها مع المليشيا حيث انتشرت مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد تواطؤها بل إن هناك من أقسم بأنه متأكد من ذلك ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل شمل اعترافها بأن شقيقها (دعامي) وهو جزء من اتهام أهالي بحري خاصة أحياء الحلفايا لها إذ يُقال إنها كانت تخرج معه في كثير من تحركاته والغريب بحسب ما نُشر أنها كانت بمثابة اليد اليمنى لشقيقها الذي كان يعمل (كشفشاف) والمثير للاستغراب أكثر أن هذه الفتاة تتجول بحرية في بورتسودان وتلتقي كبار الشخصيات ورجال الدولة دون أن تواجه أي مساءلة أو حتى اتخاذ أي إجراءات احترازية أو أمنية تجاهها ويحدث هذا في وقت يُقبض فيه على بعض المواطنين لمجرد اتهامات بسيطة أو حتى معلومات مبنية على الشك وتُعامل كثير من النساء بتهم قد تكون باطلة لكن رفقة عبد الرحمن لم يتم فتح تحقيق شفاف بشأنها رغم أن الاتهامات جاءت من قطاع واسع من المواطنين لم يُعلَن ما إذا كانت قد تماهت بالفعل مع المليشيا ثم أُعيدت لحضن الوطن مثلها مثل المستشارين الذين يأتون من حين لآخر فإذا كانت قد جاءت في إطار العفو فلماذا لم يقام لها مؤتمر صحفي مثل غيرها كما حدث من جاء طوعًا أو تسجن مثل الدكتور محمد العاجب إسماعيل؟

وإذا تم استقطابها ضمن سياسة (الاسترجاع) فلماذا لم يُعقد مؤتمر صحفي كما حدث مع غيرها ممن تمت إعادتهم؟ بل وبدلاً من ذلك تم اتهام إعلامية مثل لينا يعقوب بالتخابر من قِبل البعض وهي إعلامية محترمة تؤدي واجبها بمهنية على الدولة أن توقف العمل بقانون (المرأة المخزومية) حيث يُقام الحد على البعض ويُعفى عنه لدى البعض الآخر

فما الذي جعل رفقة تحظى بهذه الحماية أو التجاهل؟ وما الدور الحقيقي الذي تلعبه في الحرب الدائرة؟ وهل يُعقل أن تتصرف الأجهزة الأمنية وأجهزة الدولة بهذه الازدواجية في تطبيق القانون متجاهلة شكاوى المواطنين العديدة من أحياء الحلفايا الذين يرون في تجاهل هذه القضية إهانة لهم ولحقوقهم؟ لا يمكن لأحد أن يقبل بمثل هذا التمييز خاصة في قضية تتعلق بأمن الوطن ومصير المواطنين فالمساواة أمام القانون يجب أن تكون قاعدة لا استثناء ولا يمكن القبول بسياسة المحاباة التي تسمح لشخص تحوم حوله شبهات خطيرة أن يتنقل بحرية ويلتقي كبار المسؤولين بينما يعاني المواطن العادي من قسوة الإجراءات

على السلطات أن تتحمل مسؤولياتها كاملة وأن تضع في الاعتبار أن تجاهل ملف مثل هذا يعزز من انعدام الثقة في مؤسسات الدولة ويؤجج حالة الفوضى والاحتقان

ويجب فتح تحقيق شفاف وجاد في قضية رفقة عبد الرحمن وإظهار الحقائق للرأي العام دون خوف أو تحيز. كذلك من الضروري إعادة النظر في تطبيق قانون (المرأة المخزومية) بما يضمن العدالة والمساواة في المساءلة دون تمييز مناطقي أو سياسي لن يكون هذا مطلبًا مجحفًا بل هو شرط ضروري لاستعادة ثقة المواطن بالدولة ولتحقيق الأمن والاستقرار الذي ينشده كل سوداني وإذا استمرت الممارسات الحالية فلن يتحقق ذلك بل ستتعمق الأزمة وتزيد من هشاشة البلاد التي تحتاج إلى وقوف الجميع صفًا واحدًا في وجه التحديات لا إلى انقسام وصراعات داخلية تغذيها سياسة الانتقائية والتمييز