(1)
هذه الأيام، يتشبه البعض بزياد بن أبيه، الذي قال عندما ولاه الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان البصرة والكوفة:
“وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح بالسقيم حتى يلقي الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم.”
هذه العقلية تُطبّق الآن على سكان الكنابي بالجزيرة، حيث يدعو البعض إلى قتل سكان الكنابي دون تحقيقات قضائية أو محاكمات. ونحن ننادي بضرورة إبعاد هذه القضية عن العنصرية والجهوية والتسييس، لأن تصفية الأبرياء بذنب المجرمين يعدّ ظلماً جائراً.
الكثيرون يعربون عن خشيتهم من وجود خلفيات جهوية معقدة تضغط باتجاه تصفية سكان الكنابي، وهو أمر خطير. لا يجوز معاقبة البريء بجريرة المذنب، خاصة أن هناك اعترافات من بعض الجهات بأن بين هؤلاء السكان أبرياء كثر. معاملة السكان بتمييز وسوء بناءً على اعتبارات جهوية أو عنصرية ينعكس ليس فقط على القيم الإنسانية، بل أيضاً على سمعة الدولة.
هذا الوضع يفتح الباب أمام أعداء الوطن الذين يتربصون بمثل هذه الفرص. لذلك، يجب على الجهات المسؤولة أن ترتب أوضاع سكان الكنابي بما يحفظ حقوقهم المدنية والإنسانية، ويغلق الطريق أمام دعاة الفتنة الذين يسعون لتقسيم الوطن.
السودان عانى كثيراً في البحث عن إجابة للسؤال الجوهري: “كيف يُحكم السودان؟” هذا شأن السودانيين وحدهم، فهم أصحاب القرار، والشعب هو من سيحدد مسار الانتقال إلى الحكم المدني دون وصاية من أحد.
من أبرز التحديات التي تواجه السودان غياب التنظيم والبنية الحزبية المتماسكة، رغم أن الكل يتفق على أن السودان جمهورية اتحادية تُحكم وفق الدستور القومي. لكن الواقع يختلف، إذ ظلت هذه المبادئ مجرد شعارات غير مطبقة.
مشروع عبد الرحمن عمسيب الانفصالي ليس محصوراً عليه وحده، بل يمثل جزءاً من سياسات النخب التي حكمت السودان منذ الاستقلال، مما أفرز حروباً وصراعات. أول هذه الحروب كانت في جنوب السودان نتيجة نقض العهود من قبل الحكومات المتعاقبة.
الحكومة السودانية تاريخياً استخدمت سياسة التمليش، بدءاً من حكومة الصادق المهدي عام 1986، التي استعانت بالمليشيات مثل أحمد عبد الله الكلس وكافي طيارة ومحمد تاور وحامد محمد كباشي ومحمد أحمد سابل والتوم محمد ناصر وناصر محمد ناصر وعبد الله الرحيمة يونس وعبد الله محمد أحمد وسعد حامد الإمام وأحمد الشفيع وغيرهم. جاءت الإنقاذ لاحقاً لتوسّع هذه السياسة، ما أدى إلى تفاقم الصراعات القبلية وفصل جنوب السودان، وحرق دارفور، وتمزيق النسيج الاجتماعي.
آن الأوان لتصحيح أخطاء الماضي:
إنهاء سياسة التمليش: يجب أن يعتمد السودان على جيش قومي مهني واحد. ومعالجة شاملة للتسليح: حل جميع المليشيات المسلحة خارج أطر القوات النظامية. وتصحيح مسار الحكم: معالجة جذور المشكلة بدلاً من الحلول الجزئية.
المشكلة الآن تتفاقم مع تصاعد العنصرية التي يمارسها البعض منذ استقلال السودان. هذه السياسات القديمة والممارسات العنصرية تظل سبباً رئيسياً في الصراعات السياسية التي تعصف بالبلاد.
على الدولة أن تتخذ قرارات حاسمة لتجاوز هذا الواقع وبناء وطن يحترم التنوع والعدالة الاجتماعية.
