زمزم… نداءات متكررة وصمت ينعى الضمير الإنساني!

تقرير: خالد تكس

 

تكررت النداءات الصادرة عن جهات حكومية وشعبية، مدعومة بتقارير كشفت حجم المعاناة التي يعيشها مواطنو شمال دارفور عامة ومعسكر زمزم خاصة، حيث أصبحت أحوالهم متشابهة في كل أرجاء الولاية بعد الهجمات الأخيرة جنوب مدينة الفاشر. لم يعد هناك فرق بين نازح ومقيم، فمنذ عام 2003 لجأ النازحون إلى المعسكرات بحثًا عن الأمان، وظلوا يأملون في تحسن الأوضاع بفضل تدخل المنظمات الأممية التي تشرف على هذه المعسكرات.

 

لكن منذ اندلاع الحرب في 2023، ازدادت الانتهاكات وحشية ضد المدنيين، وتدهور الوضع الإنساني إلى مرحلة خطيرة. فالآثار والتداعيات الناجمة عن الحرب خلطت كل الأوراق، مما انعكس على حال الأسر التي أصبحت تائهة بين طلب الحماية والمساعدة، وسط حركة نزوح مستمرة تجنبًا للانتقام، وخوفًا من أن تصبح هدفًا لمليشيا الدعم السريع، كما صرّح بذلك حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي.

 

التطهير العرقي وسياسة الأرض المحروقة

 

أكد حاكم الإقليم أن ما يدفع هذه المليشيا لمواصلة انتهاكاتها في شمال دارفور، إلى جانب الانتقام، هو صمت الضمير العالمي، وتجاهله لعدم التزامها بالقرار 2637 والمواثيق الدولية. وأضاف أن عمليات النهب والحرق لم تقتصر على الممتلكات، بل امتدت لتشمل المحاصيل الغذائية المخزنة في المطامير.

 

وأشار إلى أن القرى التي كانت تمد الفاشر بالمواد الغذائية تعرضت لتهجير قسري ضمن سياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي، في ظل صمت عالمي وعدم قدرة المنظمات الدولية على فرض التزام المليشيا بتطبيق القرارات الدولية. كما اعتبر أن هذا التفاعل السلبي يعزز الاتهامات بشأن خضوع بعض المنظمات لأجندات سياسية، مما يثير الشكوك حول مدى حياديتها وقدرتها على ضمان “أنسنة” العمل الإغاثي وإبعاده عن التسييس.

 

ضعف الاستجابة الإنسانية وتباطؤ المنظمات الدولية

 

ويرى فاعلون في المجال الإنساني أن ترميم الثقة في المواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتطلب التخلص من العوائق السياسية التي تعرقل التمييز بين الجاني والضحية. وتوافق حاكم دارفور ومفوض العون الإنساني على هذا الطرح، وأوضحا أمام حشد من مدراء المنظمات الدولية أن تسييس العمل الإنساني له تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية.

 

وأكدت مفوضة العون الإنساني أن الحكومة التزمت بتنفيذ مطلوبات اتفاق جدة، وفتحت معبري “أدري” و”الطينة”، وقدمت تسهيلات كبيرة في منح التراخيص والتأشيرات، ومع ذلك، لا تزال الاستجابة ضعيفة ومتأخرة.

 

حجم المعاناة داخل معسكر زمزم:

 

يشير مراقبون إلى أن حجم المأساة التي أثبتتها الأدلة والإحصائيات كان من المفترض أن يحرك الضمير الإنساني، لولا ازدواجية المعايير التي أبقت الوضع على حاله بل زادته تعقيدًا. وهو ما دفع الأمين العام لمنظمة ميرم، الأستاذة عائشة إبراهيم الحسن، إلى قرع ناقوس الخطر حول ضعف الاستجابة الإنسانية.

 

وخلال تدشين قافلة مساعدات لمعسكر زمزم، استعرضت المنظمة أفلامًا وثّقت حجم المعاناة، حيث تحدثت نساء من داخل المعسكر عن شح مياه الشرب بعد تدمير المليشيات لمصادر المياه، حتى بلغ سعر جركانة المياه أكثر من 500 جنيه. كما أدى الهجوم على الأسواق إلى انعدام فرص العمل، مما أجبر الأطفال على التسول، في ظل عجز المنظمات الوطنية عن القيام بواجباتها نتيجة قلة الإمكانيات.

 

الحلول والمبادرات الوطنية لإنقاذ الموقف

 

وفي هذا السياق، دعت الأستاذة عائشة إبراهيم إلى عقد مؤتمر إنساني لاستنهاض الهمم وتوحيد الجهود الرسمية والشعبية لإنجاح حملة دعم وإغاثة النازحين، الذين تضاعفت أعدادهم من 480 ألف نازح إلى 1,623,000 نازح بعد الحرب، مع توقعات بزيادة العدد مع استمرار الهجمات.

 

وأكد الحاكم لدى تسلمه دعم وزارة الداخلية أن هذه المبادرة الوطنية تعزز الأدوار الوطنية للمؤسسات القومية، فيما أشار وزير الداخلية، الفريق شرطة خليل الباشا، إلى تقديم وزارته 1,000 جوال دقيق، و2,500 مشمع وفرشات، مؤكدًا أن الفجوة لا تزال كبيرة رغم هذه الجهود.

 

ووفقًا للمفوض العام للعمل الإنساني بحكومة الإقليم، فإن الاستجابة الدولية لم تتجاوز 16% في البداية، ثم بالكاد بلغت 33% من جملة الاحتياجات الفعلية، المقدّرة بنحو 1.7 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة مع استمرار تفاقم الأزمات.

 

 

الدعم المحلي ودور المجتمع في الإغاثة

 

وتبرز هذه الحقائق أهمية استنهاض المبادرات الوطنية لدعم المنظمات المحلية، وفق ما أكده وزير مالية حكومة إقليم دارفور، الأستاذ عبدالعزيز مرسال، الذي أعلن دعمه لمنظمة ميرم بمبلغ 10 مليارات جنيه.

 

كما تعزز هذه الخطوة المبادرة التي أطلقتها الأستاذة عائشة إبراهيم لعقد مؤتمر إنساني يضع توصيات ملزمة لتحريك الجهود الرسمية والشعبية، وسد الفجوة إذا تعذّر تحييد العمل الإنساني عن الأجندات السياسية.