مشاهدات إبرة الخبرة في أبو حمد (1-7)

أبو حمد وناسها: أصل الكرم وعراقة التاريخ

كتب: يوسف إبرة 

 

رحلة إلى قلب الكرم والجمال

 

أتاحت لي الجمعية العمومية لاتحاد كرة القدم، التي انعقدت بمدينة أبو حمد، فرصة زيارة هذه المدينة الرائعة رسميًا لأول مرة. لطالما سمعت عن كرم أهلها وجمال طبيعتها من بعض معارفي، وها أنا أجد نفسي أخيرًا في قلب هذه المدينة، أتحقق بنفسي من الحكايات التي نقلها العابرون والمقيمون على حد سواء.

 

إن إقامة الجمعية العمومية خارج الخرطوم، رغم أنها جاءت نتيجة ظروف الحرب، إلا أنها أتاحت لنا اكتشاف السودان عن قرب. وكم نتمنى أن تصبح هذه التجربة نهجًا مستمرًا، بحيث تُعقد الجمعيات القادمة في مختلف مدن البلاد، ليتعرف الأعضاء أكثر على وطنهم وتنميته المتنوعة.

 

أبو حمد: جزر خلابة وسحر الطبيعة

 

كانت زيارتنا لأبو حمد بمثابة رحلة سياحية مذهلة، حيث تجولنا بين جزرها الساحرة، التي يبلغ عددها حوالي 99 جزيرة. من بين هذه الجزر، شدتنا جزيرة مقرات ذات المناظر الطبيعية الخلابة، التي أبدعها الخالق في أجمل صورة، إلى جانب جزيرة كجي، كجنقيلي، وقعيوه، نوري، ويوكل، وحجر أبو زيد فلي كول. كما زرنا بعض الجزر الزراعية مثل البسيقة، الرملة الفوق، أم شعاف، ويوكل، حيث لمسنا خصوبة الأرض وثراء الإنتاج الزراعي.

 

حياة المدينة: أحياء وأسواق تنبض بالحياة

 

في أبو حمد، عشنا أجواء أحيائها المختلفة، بدءًا من أحياء المربعات، حي المستشفى، القلعة، القوز، السليم، والمركز القديم، وكل منها يحمل طابعه الخاص. كما تعرفنا على أسواق المدينة الشهيرة مثل السوق الكبير (السوق التحت)، سوق الجزيرة، السوق الصغير (السوق الفوق)، وسوق الجمارك، حيث تتجلى مظاهر النشاط التجاري والاقتصادي.

 

كرم أهل أبو حمد: أصالة لا تعرف الحدود

 

الكرم في أبو حمد ليس مجرد عادة، بل هو جزء أصيل من نسيج المجتمع. في الماضي، كانت المدينة تُقيم استراحات مجانية للعابرين والذين ينتظرون قطارات السكة الحديد القادمة من كريمة أو المتجهة إلى الخرطوم. كانت هذه الاستراحات توفر المبيت والطعام للمسافرين، إلى جانب أماكن للصلاة، في تقليد اجتماعي يعكس روح التكافل المتجذرة.

 

أبو حمد في عام 1970: ملامح مدينة نابضة بالحياة

 

في ذلك الوقت، كانت معالم المدينة الأساسية تشمل مشرع البنطون، الاستراحة، القلعة، محطة السكة حديد، نادي السكة حديد، السوق، المركز، الجامع الكبير، المدارس الأولية والوسطى، المستشفى، حوش البنزين، وميدان مدرسة أبو حمد الوسطى. كانت هذه المعالم تشكل النواة الأساسية لحياة المدينة، التي شهدت تطورًا ملحوظًا على مر العقود.

 

التجارة والصناعة: أسماء صنعت التاريخ

 

من أشهر التجار في المدينة آنذاك أبو مرين، سيد سليمان، آل سند، آل عرزون، آل أبو علامة، الماحي الكامل، أبو كريمه، مصطفى شريك، آل حسين شاذلي، آل صديق، آل الفضل، آل عبد الله فضل المولى، آل حسن عثمان، وأبناء إبراهيم محمود عز الدين وعثمان.

 

أما في مجال الصناعة، فقد كان مصنع العجوة بأبي حمد، المملوك لـعباس أبو مرين وسيد سليمان، الرائد الأول في صناعة التمور بالسودان، مسهمًا في اقتصاد المدينة ومنتجاتها المحلية.

 

أبو حمد اليوم: نهضة اقتصادية حديثة

 

شهدت المدينة تطورًا كبيرًا وأصبحت اليوم واحدة من أهم مراكز تعدين الذهب في السودان، مما أعطاها دفعة اقتصادية قوية، وجعلها تتطور بسرعة نحو الحداثة، مستعيدة مجدها التاريخي كحاضرة منطقة الرباطاب.

 

الرياضة في أبو حمد: تاريخ طويل من المنافسة

 

في عام 1970، كان هناك ناديان رئيسيان في المدينة، نادي السكة حديد والنادي الأهلي، ثم لاحقًا ظهر نادي القوز. ومن أشهر حراس المرمى في ذلك الوقت كمال خالد وعبد الواحد. أما على مستوى المدارس، فقد كانت مدرسة أبو حمد الوسطى تملك فريقًا قويًا، لكنه لم يكن يشارك في البطولات المحلية إلا في المناسبات الوطنية، حفاظًا على سلامة الطلاب.

 

مجتمع أبو حمد: نسيج متجانس من الأعراق والقبائل

 

يتكون مجتمع أبو حمد من مزيج متنوع من القبائل والأعراق، أبرزها الرباطاب، المناصير، الفادنية، الجعليون، العبابدة، الحلفاويون، المحس، الدناقلة، الشايقية، الفلاتة، البشاريون، الهدندوة، إلى جانب مجموعات من وسط، شرق، غرب، وشمال السودان، ودول الجوار الإفريقية والعربية، مما جعلها مدينة ذات طابع اجتماعي فريد ومتجانس.

 

أبو حمد: بين الماضي والمستقبل

 

ما زالت أبو حمد تحتفظ بروحها الأصيلة رغم التحولات الكبيرة التي شهدتها. من مدينة صغيرة تحيط بها الجزر الخلابة إلى مركز اقتصادي بارز، تظل روح الكرم والتآلف هي السمة الأبرز لأهلها. واليوم، وهي تتقدم بخطى ثابتة نحو الحداثة، تبقى حاضرة في الذاكرة كإحدى أجمل مدن السودان وأكثرها احتفاءً بالضيوف.

 

ختامًا، كانت زيارتي لأبو حمد تجربة لا تُنسى، جمعت بين التاريخ، الطبيعة، والإنسان، لتترك في القلب أثرًا عميقًا، وتجعلني أكثر إيمانًا بأن هذه المدينة تستحق أن تكون منارات السودان المشرقة.