في حوار مع «الشارع السوداني» العمدة جمعة حسين يكشف تداعيات وآثار خراب منطقة كفيا قنجي (2-4)

في هذه الحلقة الثانية من الحوار مع العمدة جمعة حسين، نغوص أعمق في تداعيات الكارثة التي لحقت بمنطقة كفيا قنجي؛ حيث يكشف لنا عن الأثر النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي خلّفه الخراب، ويروي قصصًا مؤلمة من التهجير القسري والمقاومة الشعبية، مثل قصة “مكنا” الشهيرة. كما يتحدث بمرارة عن السياسات الاستعمارية التي طمست هوية المنطقة، وصمت الحكومات الوطنية بعد الاستقلال، وانعدام الخدمات الأساسية حتى يومنا هذا. في هذا الجزء، نطرح أسئلة صريحة عن الحاضر والمستقبل، ونحاول سبر أغوار الأمل في إنصافٍ طال انتظاره. فإلى مضابط الحوار: 

 

حاورته ببورتسودان: عادلة عادل 

 

 

 

 

 

ما هي أبرز الآثار التي خلّفها خراب كفيا قنجي على سكان المنطقة؟

 

 

 

الخراب الذي طال منطقة كفيا قنجي كان صدمة كبيرة على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي الإنساني والأخلاقي وخدش أدمية الإنسان وكبريائه وكرامته.

لقد خلّف آثارًا بالغة التعقيد، خاصة مع تنفيذ قرارات التهجير القسري والإخلاء التي استخدم فيها المستعمر أبشع وسائل القمع والقهر والجبروت ، من حرق للمنازل أمام أعين أصحابها، إلى إذلال المواطنين وإهانة كرامتهم.

 

 

 

هناك حديث عن قصة مشهورة للمواطن “مكنا” أثناء المواجهات، هل يمكن أن ترويها لنا؟

 

 

 

نعم، هي من القصص البارزة التي بقيت محفورة ومنحوتة في ذاكرة الناس. مكنا كان من أؤلئك الذين لم يستطعوا تحمل الإهانة. عندما جاء أحد أفراد الشرطة لحرق منزله، واجهه قائلاً: “تتشه نتشك” أي “إذا تجرأت على حرق المنزل سأقتلك”. لكن المستعمر لم يأخذ تهديده بجدية، وأقدم على الحرق، فما كان من مكنا إلا أن نفذ تهديده وارداه قتيلآ في الحال.

 

 

 

 

كيف أثرت السياسات الاستعمارية الأخرى على حياة المواطنين؟

 

 

 

لم يكتفِ المستعمر بالحرق والتهجير، بل قام بإغلاق مصادر المياه عن الأهالي، مما أدى إلى حدوث حالات العطش والموت بين الأطفال وكبار السن. كما قام بحرق المحاصيل، وتجويع السكان عمدًا. وواحدة من أسوأ القرارات كانت نزع وتجريد قادة الإدارات الأهلية (سلاطين القبائل وقادة المجتمع)بالمنطقة من صلاحياتهم وسلطاتهم وسط أهاليهم ومواطنيهم وتتبيعهم وضمهم تحت إدارات قبائل أخرى خارج المنطقة وجاءت هذه الإجراءات والقرارات من المستعمر كرد فعل على عدم إنصياع هؤلاء السلاطين والقادة ورفضهم لبناء كنيسة في المنطقة، مما عمّق الإحساس بالظلم والغبن وعدم الاحترام لكينونيتهم وموروثاتهم الشئ الذي ولد الحقد والثأر من هذا التصرف اللامسؤول من قبل المستعمر.

 

 

 

هل استجابت الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال لمطالب سكان كفيا قنجي؟

 

 

 

للأسف، لا. ولم تعمل أي حكومة وطنية بعد الاستقلال على تصحيح ومراجعة مثل هذه السياسات الهدامة والمستفزة بل ظلت تغض الطرف عنها ومساندة لهذه السياسات ولا حياة لمن تنادي حتى اليوم . ، وهذا يدعو للتساؤل: لماذا يُنفذ قرار المستعمر حتى اليوم؟ إن تحقيق الاستقلال الكامل يبدأ بإعادة الحقوق إلى أصحابها.

 

 

 

 

وماذا عن الخدمات العامة في كفيا قنجي؟

 

 

 

الخدمات تكاد تكون معدومة. في مجال التعليم، لم تُنشأ أي مدرسة سوى مدرسة الردوم الابتدائية عام 1947م تقريبآ، والتي تخرج منها على سبيل المثال نخبة من أبناء المنطقة مثل المهندس صالح مصطفى عبد الغني عليه رحمة الله، والأستاذ أبكر سليمان حبيب الذي كان يشغل منصب رفيع في مكتب رئاسة الجمهورية عليه رحمة الله، ووزير المالية السابق بولاية جنوب دارفور الأستاذ هاشم أحمد الفكي أطال الله في عمره، وجميعهم خريجو جامعة الخرطوم وغيرهم .

مما يدل على نبوغ وتميز أبناء هذه المناطق النائية من السودان رغم عدم تكافؤ وسائل وبيئة التنافس فكيف تكون النتيجة اذا ما وجدت تلك المناطق الإهتمام والعدالة من جهة الإختصاص في توزيع الوسائل التعليمية.

عزيزي القارئ صدق ام لا تصدق لقد تم إنشاء عدد من المدارس في بعض قرى محلية الردوم منذ فترة طويلة والى اليوم لم يتم تشييدها بالمواد الثابتة وظلت بالمواد المحلية (القش) وتجدد سنويآ ومثال على ذلك:-

1/ مدرسة كفيا قنجي الإبتدائية المختلطة والوحيدة منذ 1980م وحتى اليوم على حالها.

2/ مدرسة كفن دبي الإبتدائية المختلطة منذ 1986م(مدارس انتخابات 1986)

3/ مدرسة ديم بشارة الابتدائية المختلطة عام 1986م وهي أيضآ ظلت بنفس الكيفية.

وهذه نماذج فقط والغريق لاحصر لها بمعنى ان هذه المدارس التي تتراوح اعمارها ما بين ال39و45عامآ وظلت على حالها فهل يعقل؟ فكيف تحكمون !

أمامدرسة سنقو الإبتدائية والتي تم إنشائها 1970م بقرار من السيد الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ندعو له بالرحمة والمغفرة لأنه الرئيس الوحيد الذي زار المنطقة إلى يومنا هذا، والجدير بالذكر لقد درست بهذه المدرسة وتخرجت منها مع الدفعة الثالثة في العام 1973م.

 

أما في القطاع الصحي، لا توجد مرافق مؤهلة ومعدات تعين على تقديم الخدمات الصحية بصورة جيدة ولا أدوية أو كادر طبي كافٍ علاوة على بعد المنطقة من المدن الرئيسية (نيالا – برام – تلس – الضعين ) .

الشئ الذي أدى إلى وفاة عدد كبير من المرضى أثناء إسعافهم إلى تلك المدن ولاسيما رداءة ووعورة الطرق وانقطاع المنطقة في الخريف عن بقية المدن الرئيسية لأكثر من 8اشهر كذلك أيضآ عدم تعبيد الطرق ووعورتها تتسبب في عدم انسياب تسويق المحاصيل الزراعية والفواكه رغم اشتهار المنطقة بإنتاج (المانجو -المكتب الجوافة – الليمون – القريب فروت – قصب السكر….. لخ )

وتحدث كل هذه المعاناة و المأسي لا لعدم وجود الموارد المالية وبل تعتبر محلية الردوم من أغنى محليات ولاية جنوب دارفور ال21، كيف لا وتنتج المحلية بجانب المحاصيل الزراعية إنتاجآ ضخمآ في مجال الثروة الغابية والسمكية وعسل النحل والذهب في مقدمتهم وتوجد بالمنطقة أكثر من عشرون منجمآ لتعدين الدهب وبكل أسف مال المسئولية المجتمعية يذهب إلى جيوب أفراد رغم شكاوي الأهالي والمستفز أكثر يتم تقديم بعض الخدمات خارج المنطقة من مال المجتمع المحلي كبناء وتشييد كباري وصيانة بعض المستشفيات والمدارس في ظل غياب كامل لضمير الحكام و المسئولين نحو هؤلاء ضحايا وبقايا كفيا قنجي والله المستعان.

 

 

 

 

كيف أثر كل ذلك على سكان المنطقة؟

 

 

 

 

أدى ذلك إلى نزوح واسع النطاق إلى مناطق داخل السودان مثل برام، نيالا، الأبيض، أم درمان، وغيرها، وحتى إلى جنوب السودان ودول الجوار كتشاد وأفريقيا الوسطى ومصر. كثيرون لا يستطيعون العودة بسبب انعدام البنية التحتية والخدمات وافتقار البيئة لمقومات الحياة والخدمات العامة علاوة على سوء العلاقة بين المواطنين وإدارة الحياة البرية رغم حداثة تاريخ الحظيرة دون مراعاة لحقوق إنسان المنطقة الأصيل منذ الاف السنين قبل إنشاء الحظيرة وكل هذه الممارسات و التراكمات ولدت الغبائن و الضغائن والإهمال وعدم الرضى والولاء من قبل المواطن نحو دولته التي ينظر إليها بمنظار الظالم والعدو.

فهل تفيق دولتنا وتحاول إنصاف هؤلاء بعد أن تزول هذه الحرب وتدع أوزارها؟

نأمل في إعادة كافة الموروثات والمؤسسات الأهلية (الإدارات الأهلية) إلى وضعها الطبيعي قبل الخراب إحقاقآ للحق بإزالة الظلم من الرعية تقربآ لرب العالمين والذي حرم الظلم على نفسه فمن أنتم؟ .

 

 

 

ما هي أبرز توصياتكم لمواجهة هذه التحديات؟

 

 

 

أبرز  التوصيات لمواجهة هذه التحديات تتمثل في الآتي:

1 / إزالة كل التشوهات الناتجة عن خراب كفيا قنجي.

 

2 / السعي إلى إنهاء الحرب لتهيئة الظروف المناسبة لخدمة المنطقة.

3 /تقديم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وبنية تحتية من طرق وكباري في مقدمتها التركيز على الخدمات الأمنية بالمنطقة.

4 / عدم تجاوز أبناء المنطقة في كل ما يتعلق بشأنها وكما يحدث في الماضي ومثال على ذلك التمثيل النيابي في البرلمان القومي منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم يمثل أحد من أبناء المنطقة تحديدآ أبناء قبائل كفيا قنجي المهجرين وأكثر من 5 – 6 دورات برلمانية كلهم من خارج المنطقة وكما يحدث أيضآ بين المركز ودوائر دارفور في العهود السابقة.