الإمارات تدفع بمرتزقة من بونتلاند وجوبالاند إلى دارفورعلي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

 

بقلم: علي منصور حسب الله

 

وسط أنقاض الحرب المتجددة في إقليم دارفور تتكشف تقارير صادمة تكشف تورّطًا جديدًا في تعقيد المشهد الميداني حيث تم التأكيد على مقتل أربعة مقاتلين صوماليين في صفوف مليشيا الدعم السريع وقد تم التعرّف عليهم من قِبل ذويهم في مدينة بوصاصو الواقعة في إقليم بونتلاند شبه المستقل في شمال شرق الصومال وهم

أحمد عبدي كوداكس

وحسن أورش محمد

وعبد الله فرح قاسم

وعيسى جامع وليد جميعهم كانوا ضمن الدفعة الأولى التي تألفت من 320 جنديًا أُرسلت للقتال في السودان تلتها دفعة ثانية مكونة من 670 جنديًا جرى تجنيدهم بإشراف مباشر من رئيس إقليم بونتلاند سعيد عبد الله دني اللافت في هذه القضية أن اثنين من القتلى كانوا من قوات النخبة الأمنية ما يدل على أن عملية التجنيد ليست عشوائية أو فردية بل جزء من عملية ممنهجة ومنظمة ذات طابع مؤسسي

وهنا يأتي السؤال المحوري لماذا يُقتل الصوماليون في حرب ليست حربهم؟ هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى دولة الإمارات التي تحولت إلى لاعب إقليمي نافذ يُسوّق تدخلاته تحت مسميات مثل (الدعم الأمني) و(مكافحة الإرهاب) بينما تخفي سياسات عسكرة النزاعات واستثمار الميليشيات والمرتزقة في صراعات إقليمية دامية

الإمارات ليست جديدة على هذا النوع من التدخلات فقد امتدت تدخلاتها من اليمن إلى ليبيا ومن القرن الإفريقي إلى السودان فاستعمال المقاتلين كـ(قوات احترافية تعمل على سبيل الارتزاق) ما هو إلا تجلٍّ واضح لسوق دماء عابر للحدود لكن الجديد في هذه الأزمة هو تحوّل الحرب السودانية إلى ساحة إقليمية تُوظّف فيها الموانئ الصومالية كقواعد خلفية إذ تؤكد تقارير متطابقة أن الإمارات استخدمت مدينة بوصاصو كبوابة لعبور أسلحة ومقاتلين أجانب (من بينهم كولومبيون وكينيين وجنوب سودانيين ) فضلاً عن الصوماليين أنفسهم حيث يتم نقلهم إلى السودان وذلك في إطار ما يبدو أنه شبكة إمداد لوجستي وعسكري تخدم مليشيا الدعم السريع وقد أشارت عدة مصادر إلى أن مطار بوصاصو بات يُستغل كـ”حضن حربي” تنطلق منه معدات ومقاتلون إلى دارفور في خرق صارخ للسيادة الصومالية واستقبال جرحى المليشيا من كافة الجنسيات البعض يتم نقلهم من بوصاصو إلى أبوظبي مباشرة القوات الأمنية التابعة لإدارة بونتلاند وعلى رأسها قوات الشرطة البحرية الخاصة (PMPF) تُستخدم في هذه العمليات العابرة للحدود والتي لا تعكس المصالح الوطنية للصومال بل مصالح جهات خارجية إن تحويل هذه القوات إلى أدوات في صراعات إقليمية يهدد تماسك الدولة الصومالية ويقوّض سيادتها ويمهّد لتحويل أقاليمها إلى مناطق نفوذ خارجي ويمتد النفوذ الإماراتي في الصومال عبر مشاريع اقتصادية وعسكرية متعددة أبرزها

تطوير ميناء بوصاصو عبر شركة موانئ (بي أند أو) التابعة لـ(موانئ دبي العالمية) بموجب عقد مدته 30 عامًا

وتحديث ميناء بربرة في (أرض الصومال) وبناء قاعدة عسكرية هناك قرب المطار مع التزامات بتدريب الشرطة والجيش وبناء طريق استراتيجي إلى الحدود الإثيوبية ما يعكس رغبة إماراتية في التحكم بالممرات البحرية الدولية وخطوط الإمداد

ورغم أن الإمارات كانت تسوّق وجودها تحت شعار (مكافحة القراصنة) و(منع تهريب الأسلحة) إلا أن هذه الأهداف تبدّلت تدريجيًا لتصبح واجهة لعمليات عسكرية سرية ونقل مرتزقة إلى ساحات قتال مثل السودان بدأت الإمارات رسميًا برنامجًا لتدريب القوات الصومالية في عام 2014 وتطوّر ذلك إلى افتتاح مركز تدريبي في مقديشو قدمت من خلاله معدات ورواتب لآلاف الجنود من بينهم 2407 جنديًا لكن في عام 2018 وصلت العلاقة إلى ذروتها المتوترة عندما صادر الجنود الصوماليون 9.6 ملايين دولار من طائرة إماراتية مما تسبب بتجميد العلاقات مؤقتًا ويُعتقد أن هذا المبلغ كان مخصصًا لدفع رواتب أو تمويل عمليات خارج الأطر الرسمية وهو ما رفضته الحكومة الفيدرالية ورغم هذه التوترات تحسّنت العلاقات لاحقًا خصوصًا بعد عودة حسن شيخ محمود إلى السلطة في 2022 حيث لعب الدعم المالي الإماراتي دورًا محوريًا في توطيد العلاقة مجددًا وفي فبراير 2023 صادقت الحكومة الصومالية على اتفاقية أمنية رسمية مع الإمارات تضمنت بناء قاعدة عسكرية جديدة في جوبالاندرئيس جوبالاند تحت رعاية رئيس الإقليم أحمد محمد إسلام مادوبي

ونائبه الثاني لرئيس السيد عبدالقادر حاجي محمود دور في ظل هذا المشهد تقدم السودان بشكوى إلى محكمة العدل الدولية يتهم فيها الإمارات بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية على خلفية دعمها لميليشيا الدعم السريع إلا أن المحكمة رفضت النظر في الشكوى بدعوى (عدم الاختصاص) في الوقت ذاته، يتحرّك الكونغرس الأمريكي لوضع شروط جديدة على مبيعات السلاح للإمارات في ضوء تقارير تفيد باستخدام أسلحة أمريكية في ساحات نزاع مثل السودان عبر مليشيات مدعومة من أبوظبي إن الحرب في السودان لم تعد نزاعًا داخليًا بل تحوّلت إلى جبهة لصراعات إقليمية تتشابك فيها مصالح دول إقليمية كبرى وفي ظل هذا التورّط العميق تدفع الشعوب خاصة في دارفور الثمن الأبهظ،في ظل صمت دولي قاتل

على الحكومة الصومالية أن تتحمّل مسؤوليتها في وقف نزيف شبابها وتمنع تحويل أراضيها إلى منصات لتصدير المرتزقة كما على السودانيين أن يدركوا أنهم ضحية (لعبة قذرة) تُدار على حساب دمائهم ومصيرهم فالتاريخ لا يرحم الصامتين الكلمة في وقتها قد تنقذ أمة أما التغاضي عن الجرائم العابرة للحدود، فنتيجته دمار شامل وإرث دموي طويل