العميد ركن/ الطاهر يوسف إدريس يكتب .. (رحلة كفاح المحارب الأسير)

رحلة كفاح المحارب الأسير

 

بقلم: العميد ركن/ الطاهر يوسف إدريس

 

أنذرت الوحدة (ك) 138 شندي للتحرك إلي جنوب السودان، وبعد الإنذار كنت تابع للوحدة (105) وتم نقلي إلي الوحدة (138) المتجهة إلي جنوب السودان، وكنت أعمل في تيم الإستتخبارات الكتيبة، وتحركنا من شندي بتاريخ 1/1/1987 للخرطوم، وقضينا حوالي الشهر بمصنع “البيرة بحري” ثم تحركنا إلى كوستي حتي 25/2/1987م وتحركنا عبر النيل الأبيض إلى ملكال، والوحدة كانت بقيادة العقيد ارنوط ديما مور ووصلنا ملكال وإجتمع قائد المنطقة بقائد الوحدة وأعطاه التعليمات بأن تتحرك كتيبة لإستلام مهام الكتيبة (137) الدمازين (منطقة الناصر الجكو) وفك حصار الجكو لأنها كانت محاصرة لمدة شهرين، وتوجهنا إلي الناصر وإستلمنا موقع الناصر، وتحركنا مع كتيبة من قوات حرص الحدود لفك حصار منطقة الجكو وكان ذلك بتاريخ 26/3/1987م وفي نفس التاريخ تم فك الحصار وإستلمنا الموقع بسريتين من وحدتنا (138)، وتم تعيين المقدم سالم سعيد محي الدين قائد لموقع الجكو، ورجعنا الناصر أقصر المتحرك لأننا في الحقيقة إستلمنا الناصر بصورة رمزية في البداية ثم رجعنا وإستلمنا الموقع بصورة رسمية ورجعت الوحدة (137) الى ملكال، وكانت من القرب من مدينة الناصر القوات الصديقة التابعة لـ(أنانيا – 2) بقيادة غردون كونق، وكانت علاقاتنا بهم تبادل المعلومات في العمل الإستخباري، وكنا نقدم لهم مساعدات في كافة المجالات، وبعد 19 يوم من تحرير منطقة الجكو تم حصارنا للمرة الثانية من قبل التمرد في حينها، وتمت السيطرة علي المنطقة بتاريخ 1/6/1987 للحركة، وإنسحبت قواتنا إنسحاب غير منظم في شكل مجموعات وكان قائد الموقع تتبعه مجموعة من 7 أفراد ومعهم جهاز إتصال، وأصبحوا على إتصال دائم برئاسة الكتيبة (138 الناصر)، وأثناء حصار الجكو كان العقيد ارنوط ديما مور في إذن لمدينة جوبا، وكلف قائد الكتبية (113) مدفعية عطبرة العقيد عمر خضر لقيادة منطقة الناصر لحين عودة العقيد ارنوط، وأصبح القائد سالم سعيد ينادي بمساعدة لإنقاذه وكرر نداءاته في الاسراع بانقاذه بارسال طائرة هليكوبتر، وتمت الموافقة وأرسلت الطائرة يوم 2/6/1987م وكانت بقيادة المقدم طيار أحمد بشير والرائد طيار جعفر عثمان مساعد فني هلال، وفي الفترة نفسها كنت في ملكال وتحركت في نفس الطائرة المتجهة لمنطقة الناصر عند وصولنا الناصر تم إنزالي، وتحركت الطائرة للبحث عن المقدم سالم ولم يوفقوا في المكان الذي حدد لهم، ولضيق الوقت لم تستطيع الطائرة العودة إلي ملكال، وإنتظرت حتى الصباح الباكر؛ فاستؤنفت رحلتها للبحث عن سالم بعد إتصال مع المقدم سالم واتفقوا على أن يطرح المقدم سالم ملاءه بيضاء لهم، وتحركت الطائرة إليه ولكن فوجئت بقوة تابعة للتمرد واطلقت عليهم وابل من الرصاص ورجعت الطائرة إلي الناصر ومنها إلي ملكال بعد شرح الموقف الذي تعرضت له، وعاود المقدم سالم إتصالاته وكرر نفس نداءات الإغاثه، وارسلت الطائرة مرة آخرى بتاريخ 6/6/1987م بنفس الطاقم إلى مطار الناصر، وخرجوا للبحث عن سالم وكانت رحلة أولى باداء من أبناء المنطقة تابعين لمكتب الإستخبارات والبوليس ولم تجده، ورجعت الطائرة، وتم الإتصال المباشر بين المقدم والطاقم واتفق معهم إذا كانت هنالك قُطِية يتم حرقها حتى يروا الدخان المتصاعد ولينزلو إليه، وتحركت الطائرة في رحلة بحث ثانية، وكنت حينها موجود بداخل الطائرة وهي ما زالت على الأرض مع المساعد الفني هلال، وكنا في دردشة عن ملكال حيث كانت تربطنا علاقة صداقة قوية معه، وعند وصول الطاقم القيادي ودخل الطائرة إستأذنت من هلال وودعته وطلب مني أن اصطحبهم ورفضت وألح علي في الذهاب معهم لأنها كلها “عشرة دقائق نمشي ونجي راجعين”، ومن داخل الطائرة رأيت الحكمدار الرقيب سامي الفاضل وطلبت منه إذن لمرافقة الرحلة، فوافق؛ وأقلعت الطائرة، وكنا ستة 6 أفراد؛ ثلاثة طاقم الطائرة، و واحد مصدر أو كدليل إستخباري جون تونجيك ورقيب بوليس من منطقة الناصر كادلة، وأثناء الطيران وبعد عشرة دقائق أو خمسة عشرة رأينا الدخان المتصاعد وهبطت الطائرة علي الأرض المعنية ورأينا مجموعة من الأفراد يرتدون زي الجيش السوداني منبطحين تحت شجرة، وكنا وقتها داخل الطائرة، نزل جون تونجيك جاريًا باتجاه المجموعة ونزلت من ورائه، وعندما وصل جون للمجموعة قرابة المترين أو الثلاث أطلق النار على هذه المجموعة، وقد سمعت صوت نار وتبادل في ضرب النيران بينهم، وفي هذه الفترة كنت وسط الموقع وعندما سمعت صوت الضرب رجعت جاريًا في إتجاه الطائرة لأنني لم أحمل معي السلاح، وأقلعت الطائرة بسرعة قبل أن أصلها، وحاولت في هذه اللحظة الهروب.

 

لقد فوجئت بقوة كبيرة حول المنطقة التي كنت بها، وإستخدمت الساتر علي الأرض وكنت أتابع إقلاع الطائرة وأطلق عليها النيران من شتي الإتجاهات وتحطمت من دانة (أربجي – 7) وتصاعد الدخان وإحترقت تمامًا وتبعثرت الشظايا من حولنا، وأيضًا كنت أتابع الرقيب جون تونجك لأنه كان يواصل إطلاق النار المتبادل بينهم، وفي تلك اللحظة عرف منهم بعض الأشخاص، وكان يتحدث مع بعض منهم وبقول “يا فلان يا أخوي بتكتلني” لأنه كان من ضمن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان وهرب وأصبح مصدر في إستخبارات حامية الناصر، وتم قتله، وأيضًا مات كل طاقم الطائرة المكون من “ثلاث أفراد + رقيب رقيب بوليس”، وأثناء ما انا كنت راقدًا علي الأرض شاهدت مجموعة كبيرة من قوات الجيش الشعبي متقدمة نحوي وهي تطلق النيران نحوي إلى أن وصلوني وقبضوني، وفي تلك اللحظة ظهر قائد العملية وهو ملازم أول قير شونق، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أسير حرب لدى الجيش الشعبي، وأمرهم قائدهم بعدم قتلي، وبعد ذلك باشر تيم الإعلام العسكري بتصوير الحدث بقيادة ملازم أول ماو مناس، وتم إختيار تيم لحراستي وكانو من في قمة الإنضباط والوعي، وكان واحد منهم حاول يدردش معي عن الرياضة ولم أكن ملمًا بتفاصيل رياضية أكثر منه بدقة، وباشر أفراد من الإستخبارات العسكرية إستجوابي بشكل أولي، وبعدها إتنقلنا إلي موقع آخر حيث وجدت أسير تم القبض عليه فى تلك المنطقة وهو عمر يونس، وقد سالوني هل أعرفه؟ فاجبت بلا، لأني جديد في هذه الوحدة، ومن المواقف الطريفة التي لم أنساها أن واحد حامل مدفع (بي ك ايم 46) أطق علي وووابل من النيران ولم تصيبنيي فوصل و وجدني مستلقيًا علي الأرض وبدأ يراجع شريط المدفع فوجد نفسه ضرب 21 طلقة كانت موجهة نحوي سالني (كيف زخيرة دا كلو ما يضربك وإنت من وين في السودان ووينو كادوك بتاعك دا) رديت له (أنا من غرب السودان وما عندي أيّ كادوك بس عندنا حاجة إسمها مِحَّاية بشربوها شراب) ورد قال لي (إنت ربنا بتاعك دا قوي والله انت ما بموت تاني) وكان هذا الحدث في غابة إسمها ثورة تبعد 30 كيلو متر من الناصر، وفي هذه الفترة هبطت طائرة هيلكوبتر وأخذت جزاءً من قوة الكمين، ولم أعرف وجهتها، ورجعت وأخذت ما تبقي من القوة وكنت من ضمنهم ومعي عمر يونس، وهبطنا في منطقة منقوك الواقعة في الأراضي الاثيوبية جوار منطقة الجكو، وكان بقيادة طاقم أثيوبي، وعند نزولنا في المطار رأينا حشود كبيرة جدًا من قوات الجيش الشعبي، وكان في وسطهم دكتور جون قرنق والقائد وليم نون وعدد كبير من قيادات الحركة، وإستقبلنا عند نزولنا رئيس هيئة الأركان القائد وليم نون وحاول بعصاه فتح الطريق لنا لموقع إقامتنا فوجدنا أسرى حامية الجكو وهم (عريف ين مار فديت، عريف أحمد خليفة ادريس، عريف كاتب محمد رحمة الله جاد الكريم، عريف علي سليمان محمد، وع يعقوب حسن، وع علي عبدالله حسين، وع محمد احمد مهنا، وع احمد محمد احمد، وع زكريا الشريف يوسف، وع عيسي محمد زين، وع هارون ادم هارون، وع عثمان محمد الامين، وع علي عبدالله مكي، وع احمد المبارك طه، وع يعقوب حمد، وع طارقرعمر محمد فال، وع جوزيف طياره هارون، وع سليمان ليما اماي، وع نيلسون حليم، عريف اشاره افلينو) وعرفت من ضمن المجموعة بأن المقدم سالم سعيد محي الدين قائد حامية الجكو أسيرًا، وفي اليوم التالي أرسل لي القائد وليم نون ضابط طلب أن يلتقيني وفعلاً قابلته في مكتبه وكان بيننا “حوار دردشة” وسالني عن المقدم سالم هل أعرفه؟ وقلت نعم! فقال لي “انتو ما محظوظين، فقلت ليه كيف؟” فقال “نحن اتفقنا مع المقدم سالم سعيد بأن يواصل في النداء للطائرة المطلوبة لإنقاذه ويتم القبض عليها {الطائرة الهيلكوبتر} بموجبها يتم إطلاق جميع أسرى الحرب بما فيهم سالم نفسه وطاقم الهيلكوبتر وهذه هي الإتفاقيه التي ابرمت بيننا.

 

تحدث معي القائد وليم نون بخصوص إطلاق سراح أسرى الحرب بأن الحكومة ما بتلتزم بقانون أسرى الحرب وإستشهد لي بمثال وقال “سبق اننا أطلقنا سراح بعض من أسرى الحرب والجيش السوداني إستقبلهم واخذهم إلي مكان بالقرب من عطبرة علي حسب المعلومات التي وردت إلينا علمًا بأنه تمت تصفيتهم حتي لا يسردو قصة التعامل الذي تم معهم من قبل الجيش الشعبي لتحرير السودان”، وقال أيضًا بالحرف الواحد “نحن ما بنفككم عشان يصفوكم ما عندهم أسير واحد من الجيش الشعبي” وسمح لي أن أقابل المقدم سالم سعيد وعندما تقابلنا سلمت عليه وقال لي “الناس بقولو شنو عني؟ قلت ليه بقولو انت زول جبان”، وفي عصر ذلك اليوم تم نقلنا إلي منطقة قمبيلا بطائرة هيلكوبتر، وفي هذا المكان التقينا بالرفيق ياسر سعيد عرمان وحافظ إبراهيم، وكانت هذه بالنسبة لنا رفع روح معنوية؛ كون الجيش الشعبي فيه شماليين، ومن قمبيلا تم ترحيلنا إلي منطقة آخرى هي الزنك بالقرب من قمبيلا، وهو موقع خاص للجيش الاحمر، وكان فائدها ملازم الول نيال دينق نيال وعمل معنا لقاءات منفردة في شكل سيرة ذاتية، وتم نقل السير الذاتية عبر إذاعة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لكل الأسرى، وتم ترحيلنا مرةً آخرى إلي جبل بنقو وهو أكبر معسكر تدريب للجيش الشعبي وكان به سجن؛ فوضعونا بالسجن ما عدا المقدم سالم خصص له مكان بالقرب من قائد مركز التدريب؛ ففي السجن تعرفنا بالمساجين ومن ضمنهم مقدم الطاهر بيور ومقدم منقار اشيك وواحد من أبناء النوبة هو محمد توتو ومجموعة من كبار الضباط من قبيلة النوير، ومجموعة أروك طون أروك، وأضيفت لنا مجموعة آخرى أسرى من النيل الأزرق وعددهم خمسة أفراد بقيادة الرائد بكري، وتم أسرهم بمنطقة خور أحمر جوار الكرمك، وكان ذلك في ديسمبر 1987م.

 

كان شكل المعاملة في السجن علي حسب الجريمة أو التهمة الموجهة إليك، وأتذكر أيضًا في شهر ديسمبر 1987م دخلت علينا مجموعة كبيرة جدًا مع تشدد في التأمين، وعرفنا بأنه هو نائب رئيس الحركة كاربينو كوانج تم القبض عليه بتهمة إنقلاب، وبعد يومين تم ترحيله لمكان آخر؛ تقريبًا قضينا عام كامل فى هذا السجن، وفي يوم 13 يونيو 1988م تم نقلنا إلي منطقة الزنك ومنها إلي منطقة جبل رعد علي نهر اكوبو في الحدود السودانية الأثيوبية تجاه جبل بوما بطائرة هيلكوبتر، وهذا الموقع له مميزات إستراتيجية خاصة، وبه رئاسة للقائد العام، وفي طريق إستراتيجي يربط جبل بوما – كبويتا وكان قائد المنطقة وقتها نقيب دينق كيليا ورحب بنا في قيادته وإختار لنا موقع لأسرى الحرب في شكل سجن مفتوح بعربي جوبا (دور براه) وطاقم الحراسة من كتائب حراسات القائد العام تتناوب فصيلة في كل اسبوع، وكانت الفصيلة الأولى بقيادة ملازم شول دينق والثانية بقيادة ملازم لوال، وهذه أجمل الفترات التي قضيناها من ناحية العلاقات الإجتماعية برعاية عالية، وبعدها بشهور تغيرت المجموعة الأولى بمجموعة آخرى بقيادة ملازم دود وليم قرنق، وفي يوم 27 -7-1988 زارنا كل من القائد اوياي دينق والقائد بيور اسود والنقيب دانيال كود ماثيو وملازم أول ياسر سعيد عرمان وكان الغرض منها زيارة تفقدية، وعلي ما أعتقد انها مناسبة عيد الأضحى المبارك، وأتذكر في ذلك الوقت أن هنالك مفاوضات بين مولانا محمد عثمان الميرغني والدكتور جون قرنق دي مبيور ودفعتنا بروح معنوية عالية بأن السلام علي الأبواب، وأصبحنا نتهياء للرجوع لأهلنا إلا أننا تفاجئنا بفشل المفاوضات، وفي نهاية 1988م عرفنا انها مكايدة أحزاب، وأحبطنا شديد الإحباط، وقفل باب الأمل أمامنا، وأصبحنا نفكر في البديل شنو؟، وبعد دراسة أهداف الحركة الشعبية والقضايا المطروحة وما يقال عن الحركة الشعبية فى السودان وإكتناف المشهد ضبابية كثيفة قررنا أنا وصديقي عريف محمد رحمة الله الإنضمام لصفوف الجيش الشعبي، وناقشنا كيفية رفع البلاغ لأن القائد هو مقدم سالم سعيد وهو المسؤول عن أسرى الحرب، وقبل البلاغ طرحنا الأمر لواحد من أصدقائنا وهو وع إسحق من مجموعة الكرمك ووافقنا علي هذا القرار، وإتفقنا أن نرفع البلاغ بشكل فردي حتي لا يظهر في شكل تحريض للإنضمام لأننا متخوفين بأن الحركة قد ترفض هذا الطلب ونصبح ضحية لهذا القرار، وانا كنت حكمدار السجن وبعد البلاغ الأول والثاني فوجئنا بأن معظم القوة إستجابت لهذا القرار عدا إثنين منهم لم يستجيبو، ورفعنا هذا البلاغ للمقدم سالم وطلب مننا مهلة لدراسته، ودار بيننا حوار مع المقدم سالم وشارك فيه الرائد بكري محمد البكري وكان السؤال المحوري هو ما دور الحكومة والجيش السوداني تجاه أسرى الحرب والسياسة السودانية حيال القضايا الوطنية المطروحة مع ملاحظة إنهيار تام للقوات المسلحة بوجود وزير دفاع مدني من حزب سياسي والرائد بكري متحفظا في الحديث لكن المقدم سالم طلب منا مزيد من الوقت للدراسة واحتمال يكون جزء منا، فوافق مقدم سالم علي القرار ورفعه لقيادة الحركة الشعبية، وكان عدد الأسرى 27 انضم عدد 24 والباقي 3 من ضمنهم الرائد بكري تحفظوا علي الإنضمام، وافقت الحركة علي الفور لهذا الإنضمام وكان ذلك فى فبراير 1989م ونشر في وسائل الإعلام وتكرر نشره عدت مرات في إذاعة الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ فوصلنا وفد عالي المستوى من قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لترير السوددان بقيادة الرئيس الحالي لحكومة جنوب السودان الفريق أول سلفا كير ميارديت في بداية سنة 1989م وحقيقة هي سنة شؤم حدث فيها سقوط حاميات “الناصر، توريت، كيالا”، وتم القبض علي عدد كبير من أسرى الحرب ووصلوا إلينا أسرى حامية توريت وكيالا علي رأسهم العقيد نصرالدين حماد خليل والعقيد معاش محافظ مدينة توريت جون اوكواهي ومقدم جاموس ومقدم سجون إدريس الور وبوليس مارتن ورائد طبيب حسن علي ونقيب محمد الزبير وملازم أول أحمد العباس وملازم أول كمال وملازم أول شوقي وملازم أول الطاهر ونقيب أيمن وملازم أول عبدالمنعم تقريبًا العدد الكلي بلغ الـ(500) وتوسع الموقع من ثكنات وحوش والضباط وكانوا في وضع خاص تحت إشراف القيادة.

 

أنشئت مزارع خاصة للجيش الشعبي لتوفير بعض الخدمات ونستخدم ساعات العمل الرسمية لإنتاج السمسم والفول السوداني واللوبيا والبامبية وغيرها، وبعد ساعات العمل الرسمية يسمح لكل فرد أن يمارس وقته الخاص في الزراعة الخاصة مثل زراعة تمباك الكتكت والبامبي والبامية،

وكنا نعتمد إعتماد كلي علي تمباك الكتكت لأنه من أجود أنواع المحاصيل المستهلكة بشكل يومي بالكاش أو التبديل بملابس أو ملح وذرة ولحم وغير ذلك مما نحتاجه في حياتنا اليومية، وليس لدينا حاجة للسكر بل نفضل الملح قبل السكر، وقد دخل علينا شهر يونيو 1989م بالإنقلاب علي السلطة الديمقراطية التى إعتبرناها لا تهتم بأمرنا لكن فرحنا شديد بالإنقلاب العسكري وقلنا “ناسنا جو وديل هم العارفين والشايلين همنا” وكان العشم هو إحلال السلام وإطلاق سراحنا ونعود لأهلنا وننعم بالسلام لكن من خلال متابعتنا لمجريات الأحداث وضح لنا أن هذا الإنقلاب إنقلاب حزبي يقوده الإسلاميين “ناس دكتور الترابي” ونما لعلمنا بأن هناك معارضة لهذا النظام عبر إذاعة الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة القائد العام للجيش السوداني الفريق أول فتحي محمد علي، وقد وصلوا إلي أديس أبابا لتكوين حِلف مع الجيش الشعبي لإسقاط النظام الإنفلابي في السودان والوفد طلب من الحركة الشعبية مقابلة أسرى الحرب وجاءوا إلي منطقة جبل رعد التي كنا متواجدين فيها، ولكن لم يسمحوا لهم بمقابلة أسرى الحرب وعبروا إلي منطقة كبويتا – كتفو.

 

مع الزيارات المتكررة لقيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان زارنا في تلك الأيام القائد جيمس هوث يرافقه نقيب محمد سعيد بازرعا من منطقة ديما لتفقد أوضاعنا بمنطقة جبل رعد، وفي عام 1990م من شهر مارس زارنا القائد العام للجيش الشعبي بغرض التنوير بالموقف السياسي للحركة الشعبية ضد إنقلاب الجبهة الإسلامية وعن التيارات المعارضة لهذا النظام ومحاولات الإتفاقيات في زمن الديمقراطية حتى وصول نظام الجبهة الاسلامية للحكم، وأتذكر واحدة من كلماته الصريحة “أن الفريق فتحي هو القائد العام للجيش السوداني بتاعكم طلب مني يقابلكم عشان يتكلم معاكم وتبقوا ليه جيش عشان يحارب بيكم عمر البشير، ونحن كل مرة بنتكلم عبر الإذاعة والمنظمات العالمية بأن لكم أسرى حرب معانا لو عندكم أسرى حرب من الجيش الشعبي ممكن نعمل تبادل أسرى حرب ولكن ما إشتغلوا بكلامنا دا، وكانوا بضبحوا أسرى حرب الجيش الشعبي واليوم لما طردوهم من الحكم جاءوا لينا وقال دايرين أسرى الحرب ودايرين حلف! هل لو خيرناكم بعد إطلاق سراحكم بتحاربوا معانا ولا معاهم؟ الإجابة بانهم مع الجيش الشعبي لأن القائد العام يا دوب فكر فينا بعد ما طردوه من الكرسي” وإجتمع مع الضباط الأسرى وتم تنويرهم علي الوضع السياسي في السودان، وكنت أجلس مع ملازم أول ماو مناس وملازم أول فاطمة في دردشة خاصة وبعد خروج دكتور جون قرنق من الإجتماع قال لي “الطاهر أنت جاهز .. وقفت إنتباه، وقلت أنا جاهز؛ فقال أنت تنزل مع عبدالعزيز وبولاد ورديت للمرة التانية مؤكدًا عن جاهزيتي وأصبحت ألملم وأجهز نفسي لتنفيذ الأمر” وبعدها بقليل حصلت التطورات في الحرب الأثيوبية وسقوط نظام منقستو هيلا مريام، وتم الإنسحاب من الأراضي الأثيوبية وإنضم إلينا مجموعة أسرى حامية الناصر بقيادة العقيد محجوب موسي أحمد قائد حامية الناصر آنذاك ونقيب رابح امانويل مجوك.

 

أصدرت تعليمات الإنسحاب والتحرك نحو جبل بوما وتحركنا بالأرجل عبر طريق جبل بوما سيرًا علي الأقدام يوم 14-7-1991 من جبل رعد – خورشوم – وفقدنا فيها المقدم سجون إدريس الور وعدد من الصف والجنود ومنها عبرنا إلي منطقة خور قنا ثم منطقة نيات وفقدنا فيها العقيد محجوب محمد موسي لطول المسافة علما بأن المرحوم كان يعاني من رطوبة ووصلنا منطقة بوما يوم 17-7-1991 والمنطقة كانت تحت قيادة القائد بول مدود وقائد ثاني المنطقة نقيب كير قرنق وقائد الإدارة نقيب محمد ميرغني وتم تصنيف قوة الأسرى من مريض وسليم وضم المرضي للمستشفي وبقيت القوة التوجه الي خور قنا بقيادة ملازم أول اكول اكول (اكول همباك) وكان عددنا بالتغريب (191) ضباط وضباط صفف وجنود، وجهزنا المعسكر من سكن وتأمين وأصبح مهيًا علي حسب الوضع، وكان به مشروع زراعي للبافرة، وتم توسيع المزرعة، وفي الوقت ذلك تلوح بوادر إنشقاق رياك مشار حيث إنقطعت الطرق والإمدادات وأصبحنا نعيش علي ورق الشجر والقليل من الماء وكانت تلك المنطقة موبوءه بأمرض فتاكة وأكبر المصائب كثافة إنتشار حشرة الـ(توكتك والفرنديت) وتراكمت المصائب زائد المجاعة الحادة، وأصبحنا نفقد يوميًا ما بين (3 – 5 فرد) ومعظمهم عجز تمامًا عن التحرك؛ فقدنا تقريبًا نصف القوة في هذا المكان لمدة شهرين تقريبًا، وبعد ذلك رجعنا إلي منطقة بوما وأخلينا المعسكر، و وجدنا حوالي 31 فرد عاجزين عن التحرك تماما وتركناهم في المعسكر بوجود حراسة رمزية وربما اصبحوا فريسه للذئاب.

 

عندما وصلنا جبل بوما وجدنا المجموعة التى تم تخليفها بالمستشفي علي رأسهم الدكتور الرائد حسن علي وبعد فترة قصيرة جدًا تم ترحيلنا إلى كبويتا مع مجموعة السياسيين بما فيهم كاربينو كوانج واروك طون اروك بقيادة القائد كول مجاك جوك ومن كبويتا إنقسمنا لمجموعتين الأسرى ذهبوا إلي منطقة ناروس اما مجموعة السياسيين إلي جهة آخرى، وكانت منطقة ناروس تحت قيادة القائد بيتر فارنجانق؛ أسسنا سجن في أطراف المنطقة ولأول مرة نكون بجوار منطقة فيها مواطنيين، وعلي هذا الأساس قام البعض بالإبداع في المهارات الشخصية مثل صناعة الكراسي والبنابر والترابيز والسراير وغيرها لتوفير سبل المعيشة، وقد زارتنا منظمة الصليب الأحمر الدولية وقامت بتسجيل كل أسرى الحرب والسيرة الذاتية لكل فرد ومنحهم بطاقة الصليب الأحمر الدولية، وبعد فترة قصيرة إستعادة الحكومة منطقة كبويتا من الجيش الشعبي والانتنوف واصل الضرب علينا مع وجود مواطنيين نساء وأطفال وعجزة إلا أنه قررت القيادة نقلنا إلي الحدود الكينية بمنطق (كيبيس) والمواطنين دخلوا الأراضي الكينية لمدينة لوكوشوكيو (لوكي) وقضينا فيها تقريبًا شهر، وهرب منا كل من ملازم أول شوقي وملازم أول الطاهر دخلوا الأراضي الكينية “تعال شوف ردود الفعل بعد هروب هولاء الضباط من سوء المعاملة والحرمان من الحمام ونقص في الأكل والشرب” وبعد الهروب رجعنا خلف لمنطقة كدوك باقرب من ناروس وأسسنا سجن بالشوك حتى 1993 واطلق سراح نقيب رابح امانويل تقريبا شهر ابريل أو مايو ويوم 19-6-1993 أرسلت لنا عربة من ناروس والمنطقة؛ وقتها كانت بقيادة القائد مجاك اقوت طلبوا كل من المقدم سالم سعيد محي الدين والرائد طبيب حسن علي وشخصي راول الطاهر يوسف ادريس المنزول لمقابلة القائد مجاك في ناروس، وكان برفقتنا ملازم جون هون مسؤول الإستخبارات بالسجن والتقينا بالقائد مجاك وأعطانا بشارة إطلاق سراحنا، وشرح لنا الإتفاق الذي تم بين إتحاد المحاميين العرب بقيادة الأستاذ فاروق أبوعيسى والحركة الشعبية لتحرير السودان د.جون قرنق دي مبيور، وقال حتكونوا في إنتظار مندوب إتحاد المحاميين العرب للتسليم، وقال الخبر كان أمس في إذاعة لندن مع ذكر اسماءكم، وعدنا إلي السجن وكنا فرحين مسرورين، وكل الزملاء كانوا في لهفه شديدة لسماع تفاصيل الخبر شرحنا لهم خبر الإتفاق وإطلاق سراحنا كمبدء حسن نية الحركة الشعبية لتحرير السودان.

 

تم فصلنا خارج حوش السجن وزارنا وفد من الصليب الأحمر وبارك لنا الإتفاق الذي تم بين إتحاد المحاميين العرب والحركة الشعبية لتحرير السودان، وسألنا في هذه اللحظة أيّ جهة تريدون الذهاب إليها، ولشوقنا آنذاك لوطننا الغالي الذي غبنا عنه سبع سنوات عجاف وذقنا فيها مرارة الأسر قلنا جميعًا الخرطوم، وتم ترحيلنا لمنطقة ناروس إلي منزل ملازم أول رفعت رحمة الله كان هو مسؤول الإداره والإمداد وهو من أبناء جبال النوبة (له الرحمة والمغفرة)، وتم تكليف القائد يوسف كوه مكي ومندوب إتحاد المحاميين العرب المحامي عبدالعظيم عوض سرور أطلق عليه {رجل المهام الصعبه} وأقاموا إحتفال كبير وهنئونا بالإتفاق وإطلاق سراحنا، ولكن إشترطت علينا الحركة الشعبية توقيع إلتزام بموجبه يتم إطلاق سراح بقية الأسرى الموجودين بطرفهم.

 

•مرفق نص الإتفاق: –

•مراسيم تسليم الأسرى :-

قد حضر هذه المراسيم كل من

-القائد يوسف كوه مكي

– القائد مجاك اقود اتيم

-نقيب ياسر سعيد عرمان

ومجموعة كبيرة من ضباط وضباط صف وجنود الجيش الشعبي لتحرير السودان والمحامي عبد العظيم عوض سرور وثلاثتنا باعتبارنا المحتفى بهم، وقد ألقى القائد مجاك اقود قائد المنطقة والقطاع الشرقي كبويتا كلمة مرحبًا فيها بالسادة الضيوف باسم قوات الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان، الأبطال البواسل بقيادة شرق كبويتا وباسم الشعب السوداني المناضل العظيم وباسم السودان الجديد الديمقراطي الموحد أرحب بكم جميعا في ناروس. اننا نلتقي اليوم مقدم سالم سعيد محي الدين – و راول الطاهر يوسف ادريس اللذان اسرا في معركة حامية الجكو الإستراتيجية 1-6-1987 بينما الرائد طبيب حسن علي محمد الذي أسر في حامية توريت يوم 26-2-1989 بعد المعركة البطولية للسيطرة علي الحامية، وأن هذه المناسبة تسعدنا جميعًا وعلي وجه الخصوص للإخوة الثلاثة، ونعيد إلي أذهاننا ذكريات معارك هذه الحرب التي لا يزال اوراها تشتعل، ونحن ضباط وضباط صف وجنود الجيش الشعبي لتحرير السودان قيادة شرق كبويتا نرجو منكم أيها الإخوة أن تتحدثوا إلي أهلنا السودانيين والعالم ككل عن الفقر والجوع والبؤس والتخلف الشامل الذي رأيتموه حولكم طوال هذه السنين، أنه بالطبع نتيجة واضحة لسياسات الإهمال الإقتصادية والسياسية للحكومات المتعاقبة، وأننا نطلب منكم أن تخبروا مواطنيننا والعالم أجمع عن الثمن الباهظ لهذه الحرب، والخسائر العظيمة في أرواح البشر والموارد الماوية سواء كان في المعارك المباشرة او خلافه، والتي شاهدتموها شهود عيان طوال هذه الفترة، واننا جميعًا شيبا وشبابا ورجالا ونساء نتطلع للسلام.

 

ثم تقدم مندوب إتحاد المحاميين العرب الأستاذ عبدالعظيم عوض سرور بكلمته شاكرًا الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان علي هذه المبادرة الإنسانية العظيمة باطلاق سرح أسرى الحرب.

 

 تحدث المقدم سالم سعيد محي الدين عن أسرى الحرب شاكرًا الجيش الشعبي والمعاملة والإحترام المتبادل من ضباط وضباط صف وجنود الجيش الشعبي لتحرير السودان، وإنتهت المراسيم بكلمة ظافرة من القائد يوسف كوه مكي حيا فيها قيادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وإتحاد المحاميين العرب بالعمل الإنساني وإنتهز هذه المناسبة لزيارت أسرى الحرب يرافقه مندوب إتحاد المحاميين العرب وشرحوا لهم الإتفاق المبرم بين الحركة الشعبية وإتحاد المحاميين العرب بنيروبي، وقال هذه هي البداية باطلاق سراح ثلاثة منكم والبقية ستأتي لاحقًا.

 

القائد يوسف كوم مكي ويرافقه مندوب اتحاد المحاميين العرب إلي نيروبي ومندوب إتحاد المحاميين عليه تكملت وثائق للسفر.

 

أثناء إنتظارنا تم تغيير قائد المنطقة القائد مجاك بالقائد توماس شيرلو والتقينا به عدة مرات إلي أن حضر إلينا المحامي عبدالعظيم سرور ويرافقه ملازم وليد حامد وتمت إجراءات التسليم والتسلم من الحركة الشعبية إلي إتحاد المحاميين العرب وطلب القائد توماس شيرلو بكتابة إقرار بأن لا نعود إلي السودان إلا بعد مرور عام كامل، وكتبت الوثيقة. ووقعنا عليها،

وغادرنا الي نيروبي برفقة وليد حامد وإلتقينا بالقائد يوسف كوه مكي بمنزله في نيروبي وبعدها سافرنا إلي ممباسا وقضينا فيها ثلاثة أسابيع فى إنتظار تكملة وثائق السفر للقاهرة حتى يوم 26-11-1993 رجعنا إلي نيروبي ومنها إلي القاهرة يوم 27-11-1993 ومن مطار القاهرة الدولي إلي مقر إقامتنا بحي المعادي.

 

عقد الأستاذ فاروق أبوعيسى مؤتمرًا صحفيًا شرح فيه الإتفاق الذي أبرم بين إتحاد المحاميين العرب والحركة الشعبية لتحرير السودان باطلاق سرح أسرى الحرب.

 

حاولت أجمع معلومات وعناوين عن أسرتي والحمد لله توفقت ووصلهم الخبر عن وجودي بالقاهرة وأصبحنا نتواصل عبر الرسائل، وأول رسالة كانت يوم 1-فبراير 1994م وكان مضمون الرسالة من الوالد بيقول فيها “الحي مصيرو بلاقي، ولم اتوقع ذات يوم احد يقول لي إبنك الطاهر علي قيد الحياة، وهذه نعمه من الله”.

 

كانت هنالك زيارات ودعوات من السودانيين الوطنيين والأحزاب السياسية السودانية بالقاهرة والفنانيين الغيورين أخص منهم الأستاذ سيف الجامعة وطاقم مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان متمثلة بالاستاذ مجوك ايوم والشرق الأوسط القائد دانيال كودي والقائد ادور لينو متواجد بالمنطقة في تلك الأيام وهو مسؤول عن شرق وغرب أوروبا والقيادة الشرعية لها دور إجتماعي عظيم بحكم علاقة (الكبك) – الفريق أول فتحي أحمد علي –الفريق عبدالرحمن سعيد – عميد عبدالعزيز خالد عثمان – عميد عبدالحمن خوجلي – وكل ضباط القيادة الشرعية ولا يفوتني أن أذكر الأخ العزيز حسن بندي.

 

في احد الأيام إتصل بنا واحد من المملكة العربية السعودية من أقرباء المقدم سالم سعيد وأخبرنا بوفاة ابنة مقدم سالم سعيد؛ كانت مفاجئة، ولصعوبة إخطار النبأ للمقدم سالم سعيد تفاكرنا مع الرائد طبيب حسن علي وإتفقنا بان نتصل بالعميد عبدالعزيز خالد كان بتربطنا به علاقة وهو أكتر زول مهتم بأمرنا وإتصلنا به وطلب منا إرجاع الخبر لحين وصوله، وتمت إتصالات باهله في بحري وشندي وتأكد الخبر وحضر العميد عبدالعزيز خالد وأخبره بوفاة إبنته سارة، وللتاريخ، وأنا كنت قريب من المقدم سالم في أيّ مكان جلس فيه حتي لو حجر إلا أن كتب (سلمي – سارة – عزة) وكان الخبر بالنسبة له مؤلم جدًا وتألمنا نحن أيضًا معه، وقرر الذهاب إلي السودان رغم الإقرار الذي التزمنا به لكن العميد عبدالعزيز خالد إتصل بقيادات الحركة الشعبية وسمحوا له بالدخول إلي السودان قبل الفترة المحددة له.

 

واصلنا الصمود مع الدكتور حسن علي بعدها أيام وليالي وشهور وفي يوم 5-3-1994 دكتور حسن إستطاع أن يخرج إلي السعودية (عُمرة) لمقابلة والديه وقضي تقريبًا شهرين وعاد للقاهرة، وكنا مع بعض حتي نهاية فترة الإلتزام الذي وقعناه مع الحركة الشعبية المفروض ينتهي في يوم 3 نوفمبر 1994م؛ وكنا علي صلة مباشرة مع السفارة السودانية بالقاهرة ومتابعين معنا فترة الإلتزام، وبعدها إتصلنا وبلغناهم عن جاهزيتنا للتحرك وقامت السفارة بتكملت إجراءت وثائق السفر، واخطارنا بالموعد المحدد للسفر يوم 8 نوفمبر 1994م، وكنا في إتصال مع ابو خالد التقيناه قبل السفر ودردشنا مع بعض وسألنا عن الأسباب التي تدعوا بعودتنا إلي السودان في ظرف هذا النظام ودكتور حسن شرح موقفه، وأنا أيضًا شرحت موقفي، وقال الدكتور “انت انا شايف ظروفك منطقية؛ اما الطاهر انت أفضل عندي ليك مهمة وردي قلت حاضر وقال لي نسق مع ملازم محمد الفاتح”؛ علما بأننا سمعنا بأن العميد عبدالعزيز خالد يسعي لتكوين تنظيم إسمه قوات التحالف السودانية، وطلعنا مع دكتور حسن إلي مقر إقامتنا وجهزنا أمتعتنا للسفر وتسليم الشقة والسفارة إتصلت علينا للتحرك إلي المطار وفقا للمواعيد، وفعلا تحركنا متجهين إلي المطار بعربة أجر، وفي طريقنا بالتحديد في مصر الجديدة طلبت من الدكتور حسن النزول وليس لدي الرغبة في السفر وودعت أخي العزيز دكتور حسن علي وذهبت للملازم محمد الفاتح وهذا تاريخ إنضمامي لقوات التحالف السودانية.