أمدرمان آمنة ولكن… خطر جديد يهدد الحياة

نبض الحروف: عادلة عادل

 

 

بقوة الله وبسالة جنودنا الأشراف تحررت العاصمة الخرطوم من قبضة الملايش وعاد الأمن ليسود احيائها وعاد الناس يتنفسون شيئاً من الطمأنينة بعد شهور من الرعب والدمار.

 

 

مع ذلك فإن انتهاء الحرب لايعني بالضرورة نهاية المأساة ، بل ربما يكون مجرد بداية لفصل آخر من المعاناة.

 

فبالرغم من أن أصوات البنادق قد خفتت في الخرطوم، وعاد الأمل يدب في شوارعها المحررة، إلا أن مخلفات الحرب تواصل نهش ما تبقى من الحياة في بعض المناطق، وخاصة في ولاية أمدرمان، حيث تحوّل الأمان الظاهري إلى معاناة صامتة، عنوانها “المرض، العطش، والموت البطيء”.

 

في منطقة الصالحة، التي نالت نصيبها من الدمار والخراب ، ظهر شبح الكوليرا بقوة، وسُجلت أعلى معدلات الوفيات بالولاية، رغم تحريرها. يفرّ الناس منها يومياً، لا خوفاً من الحرب، بل هرباً من بيئة ملوثة، لا تصلح للبقاء الآدمي مطلقاً.

وفي الفتيحاب والصالحة، يغيب الماء النقي والكهرباء، ويضطر المواطنون لاستخدام مياه النيل في الشرب والغسيل والطهي. الكثير منهم لا يملكون حتى ثمن “تناكر الماء”، ويقطعون المسافات سيراً للنيل لجلب ما يسد رمق الحياة. أما الفحم، فصار رفاهية، والناس يلجأون للإحتطاب لطهي الطعام، في مشهد يعيدنا لعصور مظلمة او أشبه بالبدائية .

قد يتحمل الإنسان الجوع والحرمان

لكن ما لا يمكن احتماله هو المرض.

الكوليرا تفتك بالضعفاء، والمستشفيات تعاني شحاً في الإمكانيات وقلة الكوادر وقد خرجت بعض المستشفيات عن الخدمة نسبة لإزدياد الوضع سوء .

الصحة اليوم ليست مجرد مطلب، بل طوق نجاة.

وهنا يأتي النداء: إلى السلطات المختصة، إلى رجال الأعمال الوطنيين، إلى أبناء السودان في المهجر… إن أمدرمان اليوم بحاجة إلى وقفة حقيقية. إصلاح شبكات المياه، تطهير الأحياء، توفير خدمات صحية عاجلة، كلها خطوات لا تحتمل التأجيل.

 

إن كانت الحرب قد انتهت، فإن معركة البناء والحياة بعد الدمار قد بدأت، فلنخضها معاً، من أجل الوطن الذي يستحق أن نعيش فيه بسلام، ومن أجل الإنسان الذي أنهكته الحرب و دفع أغلى الأثمان.