صدى الواقع: محمد مصطفى الزاكي
وصفة سحرية للـ’ترند’ السوداني، هل تحلم بالشهرة والمال والـ’لايكات’ التي لا تنتهي؟ هل مللت من كونك مجرد مواطن عادي في بلد يمر بأصعب أوقاته؟ لا تقلق يا صديقي، فالحل بين يديك، أو بالأحرى، في لوحة مفاتيحك! نقدم لك اليوم، حصرياً ولأول مرة، الدليل الشامل لتصبح نجماً ساطعاً في سماء السوشيال ميديا السودانية، حتى لو كان الثمن هو رماد وطنك. نعم، لقد اكتشفنا الوصفة السحرية التي يستخدمها “المؤثرون” الجدد، أولئك الذين حولوا المأساة إلى ‘بيزنس’، والكراهية إلى ‘كونتنت’. انسَ أمر الوطنية والوحدة والكلام الكبير دا، فهذه عملات لا تصرف في سوق الـ’ترند’. هيا بنا نبدأ رحلتك نحو المجد (المزعوم) والثراء (الملطخ بالدم).
الخطوة الأولى: اختر قبيلتك، وشيطن البقية!أول وأهم خطوة في طريق النجومية هي أن تحدد “قبيلتك” الرقمية… لا يهم إن كانت قبيلتك الحقيقية أو منطقة جغرافية أو حتى مجرد فكرة وهمية تخترعها بنفسك، مثل دولة “النهر والبحر” الخيالية التي لا يعرفها إلا أنت ومتابعوك المخلصون… المهم هو أن تجعل هذا الانتماء هو هويتك الوحيدة.
تحدث عنه ليل نهار، مجّده، غنّ له، حتى لو كان تاريخه ملفقاً وأمجاده مجرد أوهام.لكن هذا لا يكفي! فالنجم الحقيقي لا يلمع إلا على حساب الآخرين… يجب أن تحدد “العدو”. اختر أي مكون آخر من مكونات السودان – قبيلة أخرى، منطقة أخرى، أي مجموعة يمكنك أن تلصق بها كل مصائب البلاد. صفهم بأبشع الأوصاف، اتهمهم بالخيانة، شكك في وطنيتهم، قل إنهم سبب البلاء وإن التخلص منهم هو الحل.
لا تقلق بشأن الأدلة أو المنطق، فجمهورك المستهدف لا يبحث عن الحقيقة، بل عن تأكيد لكراهيته المسبقة. تذكر، كلما زادت حدة هجومك، زادت الـ’لايكات’ والتفاعلات. انظر حولك، ستجد أمثلة ناجحة لـ”فتيان مغمورين” أصبحوا نجوماً بين عشية وضحاها فقط لأنهم أتقنوا فن توزيع صكوك الوطنية والخيانة، وابتكار تواريخ وهمية لدول لا وجود لها إلا في مخيلتهم.
الخطوة الثانية: إتقان فن إثارة الغضب (وقبض الثمن)في عالم السوشيال ميديا، الغضب هو العملة الرائجة… المحتوى الهادئ والمتزن ممل ولا يجذب الانتباه… عليك أن تكون خبيراً في إثارة الغرائز والانفعالات… استخدم لغة سوقية، مباشرة، لاذعة. انشر الشائعات، حرّف الحقائق، اقتطع الفيديوهات من سياقها.
كلما كان المحتوى صادماً ومستفزاً، انتشر كالنار في الهشيم.لا تخجل من الظهور بمظهر المدافع الشرس عن “قبيلتك” الرقمية، حتى لو كان دفاعك مجرد صراخ وسباب… هل تتساءل كيف تمثل قبيلتك وأنت لا تقدم شيئاً سوى الكراهية؟ لا يهم! سيصدقك الكثيرون، وسيعتبرونك بطلاً ومنافحاً عن “الحق”… الأهم هو أن تظل في دائرة الضوء، أن يتحدث عنك الناس، سواء بالمدح أو بالذم.
لا تنسَ أن هذه الشهرة لها ثمن… أو بالأحرى، لها مقابل مادي! كل ‘لايك’، كل ‘شير’، كل تعليق غاضب، هو خطوة نحو جيبك… الهدايا والدعم والتحويلات ستأتيك من المخدوعين الذين يرون فيك بطلهم المنتظر.
قد يأتيك الدعم أيضاً من جهات خارجية أو داخلية لها مصلحة في إشعال الفتنة… لا تسأل عن مصدر المال، فقط اقبضه واستمتع به… ففي النهاية، هذا هو هدفك، أليس كذلك؟
الخطوة الثالثة: تجاهل الواقع.. إنه مجرد ‘لايف’ على فيسبوك! قد يأتيك صوت خافت من ضميرك (إن كان لا يزال موجوداً) ليذكرك بأن كلماتك هذه تترجم إلى رصاص وقنابل ودمار على الأرض… قد ترى صور القتل والتهجير والجوع التي تساهم في تأجيجها.
تجاهل كل هذا! أنت نجم في عالم افتراضي، وما يحدث في الواقع لا يعنيك… أنت تقدم “محتوى”، وهم يتلقون الموت… أنت تحصد الـ’لايكات’، وهم يحصدون الخراب.
أقنع نفسك بأنك مجرد “ناشط” تعبر عن رأيك، وأن حرية التعبير تبيح لك قول أي شيء، حتى لو كان دعوة صريحة للقتل أو التطهير العرقي… ردد شعارات الوطنية الزائفة بينما أنت تخرب الوطن من الداخل… تحدث عن “صمود” أهلك وأنت تتاجر بمعاناتهم. إنها مجرد لعبة، وأنت الفائز طالما استمرت الـ’لايكات’ في التدفق.
الخاتمة: حين يختفي الوطن.. لن تجد من يضغط ‘لايك’وهكذا، يا صديقي الطامح للنجومية، باتباع هذه الخطوات البسيطة، يمكنك أن تصبح “مؤثراً” و”ناشطاً” و”نجماً” في زمن الحرب والكراهية… ستحصل على المال، والشهرة (المؤقتة)، وربما بعض النفوذ لكن..
تذكر جيداً: المال الذي تكسبه هو ثمن دم وطنك وأهلك… الشهرة التي تحظى بها هي شهرة مصبوغة بالعار… والنفوذ الذي تظن أنك تملكه هو مجرد وهم زرعه في رأسك من يستخدمونك كأداة رخيصة لتدمير السودان… عندما تساعد العدو، بوعي أو بغير وعي، على تمزيق بلدك وتحويله إلى خراب، لن تجد وطناً لتتصارع على فُتاته… لن تجد جمهوراً يصفق لك، ولن تجد منصة لتبث منها سمومك… المال لن يشتري لك وطناً بديلاً، والشهرة لن تحميك من لعنات التاريخ ودماء الضحايا.
في النهاية، ستكتشف أنك كنت مجرد فقاعة صابون في مستنقع الكراهية، وأن الثمن الذي دفعته مقابل نجوميتك الزائفة كان أغلى بكثير مما تتخيل: لقد كان وطناً اسمه السودان.