الفاشر – عبدالعظيم البشرى
وسط نيران الحرب وقصف المدافع، يقف الأطباء والمسعفون في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور على خط المواجهة، لا يحملون سلاحًا سوى أدواتهم الطبية وعزيمتهم الصلبة لإنقاذ الأرواح. وفي ظل القصف المكثف الذي طال الأحياء السكنية والمستشفيات، تفاقمت الأزمة الصحية، لكن الكوادر الطبية ظلت صامدة، تخوض معركة موازية للقوات المسلحة المشتركة التي تدافع عن المدينة.
المستشفيات تحت القصف والتحديات تتضاعف:
لم تسلم المستشفيات من الاستهداف، حيث تعرضت مستشفى الفاشر التعليمي، ومستشفى النساء والتوليد، ومستشفى الأطفال لقصف متكرر، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة عدا المستشفى السعودي وآخر مؤقت حسبما أفاد مدير عام وزارة الصحة وإلى جانب القصف، يعاني القطاع الصحي من تحديات جسيمة، أبرزها: نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية بسبب الحصار وانقطاع الإمدادات، مما أجبر الأطباء على إجراء عمليات جراحية بإمكانيات محدودة، انقطاع الكهرباء والمياه، مما تسبب في توقف بعض الأجهزة الطبية الضرورية في غرف العمليات والعناية المركزة، والعمل في ظل الخطر المستمر، حيث يضطر الأطباء لممارسة مهامهم وسط القصف ودوي الانفجارات.
بطولات تُسَطَّر بالدم والتضحيات:
رغم هذه التحديات، لم يتراجع الأطباء عن أداء واجبهم الإنساني. نشرت لجان المقاومة بمدينة الفاشر صورة مؤثرة لطاقم الأطباء أثناء سقوط وابل من القذائف على مجمع عمليات الولادة بالمستشفى السعودي التي ظلت تطلقها مليشيا الدعم السريع. ورغم الدمار والرعب المحيط، واصل الطاقم الطبي عمله بإصرار وشجاعة حتى النهاية، ليكتبوا قصة ملحمية عن الإنسانية والتفاني في أصعب الظروف.
الصورة، التي أضاءتها مصابيح الهواتف وسط الظلام والدمار، أثارت موجة واسعة من التفاؤل والإشادة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها الكثيرون رمزًا للصمود والتضحية في وجه المحن.
شهداء الواجب الإنساني:
دفع القطاع الصحي ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، حيث أعلن مدير عام وزارة الصحة، الدكتور إبراهيم عبدالله خاطر في تصريح لـ”دارفورالآن”، عن استشهاد عدد من الكوادر الطبية أثناء تأديتهم لواجبهم، بينهم: علي طالب الدين، مدير إدارة التدريب بوزارة الصحة، وليد فاروق، ضابط صحة ومدير إدارة التراكوما، آمنة بخيت، مساعد صيدلي، و آيات، طبيبة مختبر.
كما استشهد عدد آخر من الموظفين والعمال في المرافق الصحية، مما زاد من عمق المأساة.
الأدوية.. حاجة ماسة وإمدادات غير كافية:
ورغم عمليات الإسقاط الجوي التي تنفذها الطائرات الحربية، أكد الدكتور إبراهيم عبدالله خاطر أن الأدوية الأساسية لا تزال شحيحة، والإمدادات التي تصل لا تغطي الاحتياجات المتزايدة. وطالب الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية بسرعة التدخل لتوفير الأدوية المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية الضرورية.
نداء أخير لإنقاذ ما تبقى:
في ظل هذه الأوضاع الكارثية، يوجه القطاع الصحي في الفاشر نداءً عاجلًا للمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لتقديم الدعم الفوري، وحماية المستشفيات والعاملين فيها من القصف والاستهداف، قبل أن ينهار النظام الصحي بالكامل.
في هذه المعركة التي لا تقل شراسة عن القتال على الجبهات، يثبت الأطباء أنهم جنود الإنسانية، يقاتلون لإنقاذ الحياة رغم كل الصعاب، حاملين أرواحهم على أكفهم في سبيل واجبهم المقدس.