ضل الحراز
بقلم علي منصور حسب الله
في تطور خطير يعكس حجم التصدعات الداخلية في بنية مليشيا الدعم السريع شنت الأخيرة حملة اعتقالات واسعة استهدفت منسوبيها الذين وجّهوا انتقادات مباشرة لأداء قياداتهم في خطوة تؤكد مرة أخرى أن هذه القوة المسلحة أصبحت عبئًا على نفسها قبل أن تكون تهديدًا للدولة السودانية وشعبها آخر هذه الاعتقالات طالت القائد الميداني عبدالعزيز الساير القوني أحد أبناء قبيلة بني هلبة وذلك عقب ظهوره في تسجيل مصوّر انتقد فيه تهميش قيادات الدعم السريع لأبناء قبيلته وعدم إنصافهم في التوزيع الإداري واللوجستي داخل هيكل المليشيا تم اعتقال القوني في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وهي المدينة التي تحولت بفعل سياسات مليشيا الدعم السريع إلى ساحة صراع وصندوق مغلق تُطبخ فيه القرارات بمعزل عن قواعد الشفافية والعدالة والمفارقة أن هذا الاعتقال وفقًا لمصادر قبلية لم يتم بإيعاز من القيادة العسكرية وحدها بل تم بتنسيق داخلي بمباركة من الناظر التوم الهادي عيسى دبكه وبتعليمات من كل من موسى السميح وأحمد عيسى تبلدية وعيسى محمد صالح الجوكي مستشار الناظر وعضو مجلس شورى القبيلة ورئيس القضاء بجنوب دارفور ما يشير إلى مدى تغلغل المليشيا في البنية الأهلية التقليدية واستغلالها للأدوات القبلية في تصفية الحسابات ويبدو أن القوني لم يكن أول ضحايا هذا النهج ولن يكون الأخير فقد تساءل القيادي في ذات المليشيا أحمد آدم عبود عن مغزى الاستهداف المتكرر والمباشر لأبناء محلية عد الفرسان وتحديدًا القيادات الميدانية الفاعلة فمع تصاعد الأصوات المنتقدة من الداخل لم تجد قيادة الدعم السريع وسيلة سوى القبضة الأمنية القمعية لإخماد أي بوادر تمرد أو انشقاق والأخطر من ذلك أن هذه الحملة لا تبدو تصرفًا فرديًا أو ظرفيًا بل تندرج ضمن ما وصفه مجلس شورى قبيلة بني هلبة بأنه (استهداف ممنهج) لأبناء القبيلة فقد أقدم أفراد المليشيا مساء الاثنين الموافق 1 سبتمبر 2025 على اختطاف شخصيتين بارزتين من أبناء القبيلة بمدينة زالنجي وهما الأستاذ محمد أبكر حسن حمدين عضو مجلس شورى بني هلبة وعمدة القبيلة بالمدينة والأستاذ عبدالقادر موسى أحمد أحد أبرز أعيان القبيلة ما يجري اليوم داخل مليشيا الدعم السريع من تمرد داخلي وانتقادات حادة هو نتيجة طبيعية لتركيبة هذه القوة الهشة وغير المنضبطة التي قامت منذ نشأتها على أسس الولاء الشخصي والجهوي لا على معايير مهنية أو وطنية فقد بنت المليشيا وجودها العسكري على تحالفات قبلية هشة ما جعلها عرضة للتصدع كلما تصادمت المصالح داخل هياكلها ويُعد التذمر المتزايد من قبل أفراد قبيلة بني هلبة دليلاً على هذا التصدع، خاصة أنهم من أوائل المكونات القبلية التي ساهمت في تأسيس ودعم الدعم السريع خلال مراحل تمدده في إقليم دارفور لكن بعد أن انكشفت الشعارات الجوفاء بدأ أبناء هذه المكونات يشعرون بالتهميش والخذلان في ظل حرمانهم من الترقيات والرعاية الصحية بينما تُمنح الامتيازات المالية والعلاجية لعناصر تدور في فلك الدائرة المقربة من عبدالرحيم دقلو وشقيقه محمد حمدان دقلو (حميدتي) ولا يمكن فصل هذه السلوكيات عن الدعم السخي والمستمر الذي وفرته دولة الإمارات للمليشيا سواء عبر التمويل المالي أو الإمداد العسكري أو التغطية الإعلامية فمنذ تمرد الدعم السريع على الدولة السودانية في 14 أبريل 2023 قدمت أبوظبي غطاءً سياسيًا ولوجستيًا لهذه الحركة المسلحة متجاهلةً ممارساتها الوحشية وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان وقد دفع المواطن السوداني لا سيما في دارفور وكردفان والخرطوم وسنار والجزيرة ثمن هذه المغامرة الإجرامية من دمه وأمنه وكرامته فالانتهاكات الممنهجة والتصفيات العرقية والمجازر الجماعية وفي مقدمتها مجزرة الجنينة لا تزال وصمة عار تلاحق هذه المليشيا ومن يقف خلفها ومع منتصف عام 2025 بدأت الكفة العسكرية تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني مدعومًا بقوات حركات الكفاح المسلح وقوات درع السودان والمستنفرين من أبناء الشعب وقد حققت هذه القوى انتصارات نوعية في ولايات الوسط وكردفان وشمال دارفور مما أجبر مليشيا الدعم السريع على الاستعانة بمرتزقة أجانب من كولومبيا والصومال بالإضافة إلى مقاتلين من الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو في محاولة يائسة لوقف الانهيار المتسارع في صفوفها لكن حتى هذا الدعم الخارجي لم يفلح في سد الثغرات العميقة داخل جسد المليشيا إذ لا يزال آلاف الجرحى والمصابين من عناصر الدعم السريع يعانون من الإهمال الطبي التام في وقت تتباهى فيه القيادة بشراء السيارات الفاخرة وتُنفق بسخاء على أسفارها بين العواصم إن ما يجري اليوم داخل مليشيا الدعم السريع ليس إلا مؤشراً على الانهيار الوشيك لهذه القوة التي تحولت من كيان مسلح إلى عبء على مكوناتها بل وأداة لتمزيق النسيج الاجتماعي والقبلي في السودان التصدع الداخلي التناحر الجهوي التمييز وغياب العدالة كلها مظاهر تؤكد أن هذه المليشيا باتت عاجزة عن الحفاظ حتى على تماسكها الذاتي فضلًا عن أي قدرة على فرض السيطرة أو الاستمرار في مشروعها التدميري وعليه فإن الدعوة موجهة اليوم للعقلاء من أبناء القبائل الذين ما زالوا ضمن صفوف الدعم السريع (آن الأوان للانفكاك من هذا الكيان الذي لا يخدم إلا مصالح فئة ضيقة، وترك سفينة تغرق بدلًا من الغرق معها) فـالسودان لا يُبنى على المليشيات بل على المؤسسات ولا يُحكم بالبندقية بل يُقاد بالقانون والدستور والإرادة الشعبية

