ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في لحظة فارقة تعيد إلى الأذهان مشاهد الحسم والانتصار في مطار نيالا، شهد مطار الشهيد صبيرة بمدينة الجنينة ملحمة جديدة من ملاحم القوات المسلحة السودانية، عنوانها الدقة، والحسم، والتفوق الاستخباري. ما جرى هناك لم يكن مجرد ضربة موفقة ضد أهداف عسكرية، بل كان رسالة صارخة إلى مليشيا الدعم السريع وداعميها الإقليميين: السودان لا يُؤخذ غدراً، وجيشه قادر على قطع كل يد تمتد لزرع الفوضى والخراب.
في محاولة يائسة لتعويض خسارتها في نيالا، جلبت المليشيا كامل عتادها اللوجستي إلى مطار الشهيد صبيرة، ساعية إلى تحويله لبديل استراتيجي. لكن المعادلة انقلبت رأساً على عقب، وأثبت أحفاد السلطان تاج الدين، قاهر الفرنسيين، أن تاريخهم المجيد لا يُدنّس تحت سنابك الارتزاق، وأن الغرب السوداني عصيّ على الترويض.
في لمح البصر، تحوّلت التجهيزات والآليات التي جلبتها المليشيا إلى حطام. لم تكن ضربة عشوائية، بل نتيجة عمل استخباراتي بالغ الدقة، ورصد ميداني محكم، شارك فيه الشرفاء من أبناء الوطن، حتى من داخل صفوف المليشيا ذاتها. بعضهم تخلّى عن الولاء لكيان متهاوٍ، وبعضهم يبحث عن طوق نجاة، مدركاً أن نهايتهم باتت مسألة وقت، فراحوا يقدّمون المعلومة بذكاء من يسعى لتأمين موطئ قدم في مستقبل تهيمن فيه الدولة لا الفوضى.
وهنا يتجلّى أحد أعظم مكامن قوة القوات المسلحة السودانية: قدرتها الخارقة على اختراق الصفوف، وجمع أدق المعلومات، وتحويلها إلى ضربات قاتلة على الأرض. من نيالا إلى الجنينة، ومن الشرق إلى الغرب، تؤكّد القوات المسلحة أن كل هدف للمليشيا يمكن أن يتحوّل إلى مقبرة للمرتزقة، مهما حاولوا التخفي أو التمويه.
أما سلاح الجو، فقد كان على الموعد كعادته، لا يخطئ هدفاً ولا يُمهل خصماً. بضربة دقيقة، تحوّل ما أرادته المليشيا نقطة انطلاق إلى كومة من رماد. المعدات التي دُمّرت لم تكن فقط ذات قيمة مادية ضخمة، بل كانت تمثل ركيزة أساسية في مساعيهم للتوسع والتمكين، وبتدميرها، نزعت القوات المسلحة أنيابهم في تلك الجبهة الحساسة.
إن ما حدث في صبيرة لم يكن تكراراً عشوائياً لما حدث في نيالا، بل كان امتداداً لخطة متماسكة، تُظهر ثبات العقيدة القتالية للجيش السوداني، وبراعة أبنائه في تحويل كل الإمكانات المتاحة إلى عوامل نصر حاسمة، حتى في أحلك الظروف.
ختاماً، يجدد أبناء السودان عهدهم مع الوطن: لحمنا مرّ لا يُؤكل، ومن يتجرأ على أرضنا، فمصيره رماد في الريح، لا ذكر له إلا في مزابل الخيانة وصفحات العار.