ضل الحراز: علي منصور حسب الله
في زمنٍ يندر فيه أن تجد من يجهر بالحقيقة ويواجه العاصفة بكلمة صادقة، كانت د. زينب علي أحمد البشر منارات تلك القلة التي لم تساوم يوماً، ولم تتنازل عن قناعاتها مهما اشتدت الضغوط أو تكاثفت العواصف. رحلت عن دنيانا فجأة، في حادث مروري أليم، لتترك فراغاً عميقاً في قلوب محبيها، وصدمة لم يستوعبها من عرفوها عن قرب أو تابعوا كلماتها الشجاعة.
كانت د. زينب أستاذة جامعية، كاتبة صحفية، إعلامية حاضرة، وامرأة حديدية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. جسّدت في شخصها نموذجاً نادراً للمرأة السودانية التي تُعلي من شأن الحقيقة ولا تخشى في قولها لومة لائم. لم تكن مجرد صاحبة قلم، بل كانت صاحبة موقف، وصاحبة ضمير حي ظل ينبض في كل ما تكتب وتنشر، خاصة في عمودها “طرين سنو” الذي كان نبراساً للوعي في صحيفة الشارع السوداني، أول منبر نشر لها، حين كانت تخاطب الناس بلغة بسيطة لكنها قاطعة، قوية دون تكلف، صادقة دون زيف.
لم تكن محايدة في القضايا الوطنية، بل كانت في الصفوف الأمامية لمقاومة الباطل، سيما خلال حرب الكرامة، حيث كانت من القلائل الذين تجرأوا على تسمية الأشياء بمسمياتها، فانتقدت المليشيات بوضوح، وكشفت عن جرائمهم بجرأة، ووقفت مع الشعب في نضاله من أجل الحرية والكرامة. لم تهادن ولم تجامل، لأن ضميرها كان حياً، وإيمانها بما تكتب كان أكبر من أي خوف.
رحيلها ليس فقط خسارة لعائلتها الصغيرة، التي كانت تستعد لقضاء إجازة العيد معها، بل هو خسارة للوطن وللرأي الحر، ولجميع من ظلوا يقرأون لها بشغف ويستمدون من كلماتها الأمل والثبات.
لم تمت د. زينب، فالأرواح الشجاعة لا تموت. هي باقية بما كتبت، بما علّمت، وبالمواقف التي ستبقى شاهداً على امرأة لم تركن للصمت، بل آثرت أن تكون صوتاً حراً في زمن الخوف.
رحم الله د. زينب علي أحمد البشر، وأسكنها فسيح جناته.
ولتبقَ كلماتها وصوتها في ذاكرتنا نوراً لا ينطفئ.