الإجتماعات السرّية والشفافية المزعومة: من يملك الحقيقة؟

ضل الحراز: علي منصور حسب الله

 

 

 

نادراً ما أعلّق على موضوع تناوله زميل أو زميلة، سواء بالتأييد أو النقد، لا لشيء سوى لإيماني بأن لكل صحفي مساحته الحرة في الطرح، وأن الأولى بنا أن ننشغل بما نقدّمه نحن، لا بما يكتبه الآخرون.

لكن، ومن باب الاجتهاد الصحفي والمساهمة في النقاش العام، أجد نفسي معنياً اليوم بالتعليق على الجدل المثار حول خبر تسريبات الاجتماع الذي نشرته الزميلة رشان أوشي، والذي أراه انفراداً صحفياً يستحق الإشادة، لا الهجوم.

 

ما قدّمته رشان يدخل في صميم الممارسة المهنية السليمة، ويعبّر عن اجتهاد صحفي مشروع. لكن ما استوقفني أكثر هو تدوينة المارشال مني أركو مناوي التي أقرّ فيها ضمنياً بحدوث الاجتماع، مشيراً إلى أن ما تم تسريبه قد يكون قد حُوِّر أو شُوِّه بإضافة معلومات مجتزأة أو مختلقة.

وهنا يبرز السؤال المنطقي:

إذا كان ما نُشر “جزءاً معدّلاً” من الحقيقة كما قال مناوي فلماذا لم يبادر بكشف الصورة الكاملة؟

لماذا نكتفي بالتلميحات ونترك الرأي العام فريسة للتأويلات والتكهنات؟

إن الإصرار على الغموض هو ما يفتح الباب واسعاً أمام التسريبات والتحوير والتضليل. فالمطلوب من مناوي ومن حضروا الاجتماع ليس النفي المجتزأ، بل توضيح الحقيقة الكاملة ومواضع التزييف إن وجدت.

لكن الأهم من كل ذلك، لماذا تُعقد اجتماعات تناقش قضايا وطنية كبرى في غرف مغلقة؟ ولماذا يُقصى الإعلام وتُمنع الصحافة من الحضور، بينما يتم لاحقاً تسريب ما يُراد تسريبه لصحفيين مختارين بعناية؟

هل هذه هي الشفافية التي يرفعها البعض شعاراً؟

اللوم هنا لا يقع فقط على من سرّب، بل أيضاً على الجهة التي دعت للاجتماع وفرضت عليه طوق السرية، كما يقع على الطرف الذي تضرر من التسريب، وبدأ يشتكي من تحريف محتواه.

إذا كانت الاجتماعات لا تملك القدرة على حماية مداولاتها، فالأجدر بها أن تُعقد بحضور الإعلام، أو في الهواء الطلق، بدلاً من أن تُحوّل إلى أداة لتبادل الرسائل المشفّرة والاتهامات غير المباشرة. حينها فقط تتحقق المساواة في الحصول على المعلومة، ويتوقف استغلال التسريبات كوسيلة للضغط أو التشويه.

الحديث عن “الشفافية” لا يجب أن يظل شعاراً فضفاضاً يُرفع في الخطابات ويسقط في الممارسة.

الشفافية الحقيقية تعني إشراك الشعب في ما يُناقش باسمه، لا احتكار الحقيقة وتسريبها وفق الأهواء والاصطفافات.

ما يحدث فعلياً هو أن بعض الأطراف تعقد اجتماعات مغلقة، ثم تقوم بتسريب منتقى، جرى تحويره عمداً لشيطنة طرفٍ ما، ثم تدّعي أن ما دار يهم الشعب!

لذلك، فإن الهجوم على الصحفيين وخصوصاً الزميلة رشان أوشي لا يعدو كونه انصرافاً عن جوهر الأزمة. فبدلاً من أن نواجه “الفيل”، نطعن في “ضله”.

من يملك الحقيقة، عليه أن يكشفها، لا أن يتوارى خلف مصطلحات مثل “التحوير” و”التعديل”، دون أن يوضح مواضع الخطأ من الصواب.

وإذا كان ما تم تسريبه يحتوي على معلومات صحيحة وأخرى محرّفة، فمن واجب من حضر الاجتماع إطلاع الرأي العام على حقيقة ما جرى. الإشكال لا يكمن فقط في التسريب، بل في نوايا التسريب: من الذي سرّب؟ ولماذا؟ وهل الهدف كان إحداث فتنة أم نقل وقائع؟ هذا ما يستدعي التحقيق، لا التهرب.

ختاماً، لنكن واضحين:

الشعب السوداني يملك الحق الكامل في معرفة ما يدور في الغرف المغلقة، خصوصاً إذا كانت الاجتماعات تتعلق بمصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

من حقه أن يعرف: هل ما سُرب دقيق؟ هل فيه تحريف؟ ومن الذي حرّف؟ ولماذا؟

أما مسألة “من سرّب” فليست بالأهمية القصوى، إلا لمن أراد أن يصون سرّه. وهنا نُذكر:

من أراد سرّه آمناً، فليحذر مما يقوله في غرفة مليئة بالولاءات المتقلبة، ومن ينتظرون لحظة اصطياد.

في النهاية، إذا كانت الحقيقة تُحرّف وتُسرب بحسب الأهواء، فإن الحل ليس في شيطنة الصحافة، بل في فتح الأبواب أمام الإعلام، ومخاطبة الشعب بعقل مفتوح، لا من خلف الأبواب المغلقة.