ضل الحراز: علي منصور حسب الله
من الحكم العربية القديمة: “أميتوا الباطل بهجره”، وهي دعوة صريحة لتجاهل السخافات وعدم الرد على الترهات، تجنبًا لمنحها شرعية لا تستحقها. لكن، حين يتحول الصمت إلى تواطؤ ضمني، لا مفر من الرد، خاصة عندما يصبح تزييف الحقائق ديدن بعض الكتّاب، أمثال الأستاذ أبو جنة، الذي يسعى جاهدًا لتشويه الوقائع وتغليف مواقفه الشخصية بلبوس “الصحافة الحرة”.
دعني أبدأ بالسؤال الذي تخشاه، يا أبا جنة:
هل تملك الجرأة لإعلان أسماء أقارب الوالي بشير مرسال حسب الله الذين تزعم أنه تم تعيينهم في لجان إسناد الامتحانات؟ بل هل تستطيع أن تثبت أن الوالي بشير مرسال عيّن أحد أقاربه في وظيفة يتقاضى منها راتبًا شهريًا، على غرار عملك ضمن المجموعات الإعلامية لعدد من الولاة من أقربائك؟
أليس من الأجدى أن تذكر لنا بوضوح صفات ووظائف أقارب بشير مرسال، وطبيعة المهام التي أوكلت إليهم؟
نحن على استعداد لكتابة تقرير مفصل عن كيفية إدارة الولاية منذ أول والٍ من أبناء جنوب دارفور وحتى اليوم، وعن الطريقة التي يتم بها تقسيم الدوائر الانتخابية، بما يكرّس لهيمنة مجموعات إثنية محددة على السلطة.
لقد آن أوان الحديث الصريح عن تاريخ المحسوبية والتمكين القبلي في جنوب دارفور، لا من باب التبرير، بل من باب الكشف والمكاشفة.
فعائلة مرسال حسب الله، لمن لا يعرف، ليست طارئة على المشهد السياسي أو الاجتماعي كمواطنين في جنوب دارفور، بل هي من العائلات ذات الجذور العميقة في الإقليم، عُرفت بخدمة المجتمع والتضحية في سبيله بعيدًا عن الأضواء.
وما كنا نود أن نفتح ملف ولاة سابقين، من بينهم أحد أقربائك، الذي وردت معلومات دقيقة عن تقاضيه رشوة مقابل التصديق على عمارة شرق مستشفى نيالا.
إن ولاية جنوب دارفور، ومنذ أول والٍ من أبنائها، ظلت تعاني من هيمنة المحسوبية التي باتت تتحكم في مفاصلها، وها أنت اليوم، يا أبا جنة، ومن معك من المستفيدين من المحسوبية القديمة، لا تزالون تتعاملون مع الولاية باعتبارها غنيمة تُوزع بين من شاركوا في حماية “السلطة”، فيما يتم شيطنة كل صوت مختلف بأنه “متمرد” أو “ضد الدولة”.
أما عن تحولك من “نصير للوالي” إلى أحد أشرس خصومه، فدعنا نفتح بعض الملفات المغلقة:
لقد كنت، يا أبا جنة، من الذين قدموا نصيحة مباشرة للوالي بشير مرسال بأن يدفع أموالاً لبعض الصحفيين كي يكتبوا عنه بصورة إيجابية. لكنه، بما عُرف عنه من مبادئ، رفض هذا السلوك غير المهني وغير الأخلاقي، وكانت تلك بداية القطيعة بينكما.
بل إنك صرّحت لأحد أعضاء لجنة النيل الأبيض قائلاً: “حولوا لكم 30 مليون وتاكلوا فيها” — فهل هذا هو فهمك الحقيقي لمهنة الصحافة والعمل العام؟ وهل تجرؤ الآن على ذكر أسماء أولئك الصحفيين الذين كنت وسيطًا بينهم وبين الوالي؟ وهل لديك دليل أنهم يمثلون صوت الشعب، لا صوت الصفقات؟
لم تُخبرنا، يا أبا جنة، عن قضية التزوير والاختلاس التي تورّط فيها أحد موظفي وزارة المالية بالولاية، حيث قام بتزوير توقيع الوزير علي محمود محمد عبد الرسول، ما أدى إلى محاكمته وإدانته وسجنه بالقانون.
لكن العجيب أن هذا الموظف نفسه، حين تولى حماد إسماعيل حكم الولاية، أُعيد إلى وظيفته ببساطة شديدة، مستفيدًا من “قانون المرأة المخزومية” ذاك القانون غير المكتوب، الذي يُطبق على الضعفاء ويُعفى الأقوياء وأصحاب النفوذ من أحكامه!
فمن هو هذا الموظف؟
وكيف تحوّل فجأة إلى داعية للأخلاق والقيم، ومُدافع عن “الحكم الرشيد”، رغم أن سجله الجنائي لا يزال حاضرًا في ذاكرة الناس والوثائق الرسمية؟
ونحن نعلم تمامًا، وبتفاصيل دقيقة، عن الاجتماعات التي تُعقد في الخفاء لتدبير إقالة بشير مرسال، وتنصيب شخصية أخرى يتم الترويج لها على أنها “تمثل جميع مكونات الولاية”.
هذا المشروع لم يولد اليوم، بل هو امتداد لمحاولات تهميش الأصوات الصادقة، وتشويه كل من يرفض أن يكون دمية بيد مراكز القوى القديمة.
وحتى هذه اللحظة، آثرنا عدم الخوض في شخصية الأستاذ أبو جنة احترامًا للمهنة، لكن إن أصر على المضي في طريق التشويه، فنحن نملك من الحقائق والوثائق ما يكفي لكشف ازدواجية المعايير التي يتبعها.
خاتمة: الكلمة مسؤولية
إن الكلمة، يا أبا جنة، سلاح لا يُستهان به. والصحافة، إن لم تكن نزيهة، تصبح أداة ابتزاز وتصفية حسابات.
وحين تختار أن تكون صوتًا للباطل تحت شعار “النقد”، فعليك أن تتحمل تبعات الكلمة، وتواجه الحقيقة دون أقنعة.
ولمن يسأل: نحن لا ندافع عن الأشخاص، بل عن المبادئ والحقائق.
فإن كان لدى أي جهة دليل فساد ضد بشير مرسال أو غيره، فلتعلنه صراحة أمام الرأي العام.
أما الاستمرار في نشر الأكاذيب، تحت غلاف “الرأي الحر”، فلن يُخدع به أحد بعد اليوم.