تقرير – محمد مهدي مصطفى
كشفت مصادر سياسية مطّلعة عن خلافات عميقة داخل اجتماعات تنسيقية “تقدم” المنعقدة في مدينة عنتيبي الأوغندية، حيث تتصاعد حدة النقاشات بشأن مقترح تشكيل حكومة منفى مدنية تمثل المعارضة السودانية في الخارج تأتي هذه الاجتماعات في وقت الذي يواجه فيه السودان أزمة سياسية متفاقمة، مع تصعيد العنف من قبل مليشيا الدعم السريع وفي المقابل تحقق القوات المسلحة والمشتركة انتصارات ملموسة على الأرض وتشير الي قرب حسم المعركة عسكرياً.
مراقبون يحذرون من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل “تقدم “
تفاصيل الانقسامات داخل التنسيقية:
وفقاً للمصادر، انقسمت قيادات تنسيقية “تقدم ” إلى فريقين متباينين بشأن المقترح:
المؤيدون للمقترح يرون أن تشكيل حكومة المنفى خطوة استراتيجية ضرورية لكسر الجمود السياسي الداخلي وتوحيد المعارضة، والحصول على إعتراف دولي يعزز الضغط على المليشيات المسلحة والنظام القائم.
المعارضون للمقترح يحذرون من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات بين الأطراف المعارضة، وتبرير استمرار العنف فضلاً عن إمكانية إضعاف قنوات الحوار مع القوى المدنية والعسكرية داخل البلاد.
أهداف المؤيدين وتخوفات المعارضين:
يرى المؤيدون أن حكومة المنفى قد تصبح منصة دولية تسلط الضوء على معاناة السودانيين وتدعم الجهود الرامية لحل الأزمة وفي المقابل يعتبر المعارضون أن التوقيت غير مناسب، وأن هذه الخطوة قد تُفهم كتصعيد سياسي يهدد فرص التسوية السلمية.
مناوي، “تقدم” تواجه أزمة عميقة في علاقتها مع الشعب السوداني
تورط شخصيات داخل التنسيقية :
التقارير المحلية تشير الي تورط قياديين في تنسيقية “تقدم “،هما الطاهر حجر وسليمان صندل والهادي إدريس ،بأن قواتهم شاركت بشكل مباشر مع مليشيا الدعم السريع في الهجوم على الفاشر مما أثار جدلًا واسعاً وأدت إلى انشقاقات داخلية وُجّهت لهم اتهامات بانتهاك مبادئ المعارضة والانحياز لأجندات مليشيا الدعم السريع، مما أثار انقساماً جديداً داخل التنسيقية
التحديات الإقليمية والمحلية:
تعاني تنسيقية “تقدم” من عقبات تتعلق بالقبول الدولي والإقليمي، إضافة إلى خطر التمزق الداخلي. كذلك، يواجه المقترح انتقادات واسعة بسبب احتمالية تصعيد التوترات في الداخل السوداني.
نبيل أديب، فكرة تكوين حكومة منفى لن تنجح و من يقدم على هذه الخطوة سيجد نفسه في عزلة تامة
مستقبل المقترح:
من المتوقع أن تستمر الاجتماعات في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية، قد تشمل تشكيل جسم استشاري للمعارضة بدلاً من حكومة منفى رسمية ومع ذلك، يبقى المشهد السوداني معقداً، مع استمرار العنف وتباين الأولويات الدولية والإقليمية
والسؤال الأبرز
هل ستتمكن تنسيقية “تقدم” من تحقيق توازن بين الداخل والخارج، وتجنب مزيد من الانقسامات؟ أم أن مقترح حكومة المنفى سيزيد تعقيد المشهد السياسي؟
باحثة القوى المدنية تحمل إرثًا من الانشقاقات الداخلية و انتقلت معها إلى التحالف الحالي
محللين سياسين:
يرى محللين سياسين أن التأخر في الإدانة من قبل تنسيقية “تقدم” للمليشيا يكون مرتبطاً بعوامل عدة، من بينها الأولويات الجيوسياسية والتحركات الدولية “لتقدم” مع للمجتمع الدولي، وضعف الضغط الإعلامي الفاعل خلال الفترة السابقة ومع ذلك، فإن الإدانة الحالية قد تكون نابعة من إدراك متأخر لحجم الجرائم والانتهاكات التي لم يعد بالإمكان تجاهلها، خاصة مع توثيقها بشكل واسع وانتشارها إعلامياً.
عثمان ميرغني، الانقسام داخل مجموعة “تقدم” يعود إلى اختلاف المنطلقات بين أطرافها
أما توقيت الإدانة، الذي يتزامن مع تقدم الجيش والمشتركة والقوات النظاميةالأخرى والمستنفرين، فيبدو مرتبطاً بحسابات سياسية دولية ومحلية. على المستوى الدولي، قد يكون الهدف من الإدانة الضغط على الأطراف الحرب تجنب الحسم العسكري الشامل قد يؤدي إلى اضطرابات إقليمية أوسع أما داخلياً، فإن المليشيا، بعد خسائرها المتتالية وانحسار نفوذها الميداني، تسعى “تقدم “لتبني خطاب سياسي يظهرها كطرف قادر على لعب دور في مستقبل السودان، بهدف ضمان بقائها في المشهد السياسي.
هذا التحول في استراتيجية “تقدم” يعكس إدراكها بأن استمرارها لدعم المليشيا بات صعباً، وبالتالي فإن السعي لإعادة التموضع سياسيا ًهو محاولة للبقاء ضمن معادلة السلطة، مستفيدة من تعدد إتخاذ القرار للحكومة الحالية في ظل غياب رؤية موحدة لدى الأطراف السودانية.
تقويض فرص الحلول السلمية:
قال مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور وقائد ، إن تنسيقية “تقدم” تواجه أزمة عميقة في علاقتها مع الشعب السوداني، مشيراً إلى أن سياساتها وخطابها السياسي أسهما بشكل مباشر في تفاقم الأوضاع وإشعال الحرب الراهنة.
محلل سياسي هنالك نية واضحة لدى المليشيا لفصل إقليم دارفور عن السودان في حال فشلها في السيطرة على البلاد
وأوضح مناوي أن التنسيقية قدمت دعماً صريحاً لقوى التمرد، ما أدى إلى تقويض فرص الحلول السلمية وزيادة تعقيد الأزمة السياسية والأمنية في السودان. كما أكد أن لديهم أدلة واضحة ومُثبتة تُظهر تلقي “تقدم” أموالاً من جهات خارجية، مشيراً إلى أن هذه الأموال تُستخدم لتمويل أنشطة من شأنها زعزعة الاستقرار في البلاد.
وأضاف مناوي أن الشعب السوداني لم يعد يثق في هذه التنسيقية بسبب مواقفها المتناقضة والدور السلبي الذي تلعبه في المشهد السياسي، داعياً إلى اتخاذ خطوات حازمة لمحاسبة كل من يثبت تورطه في الإضرار بمصالح السودان الوطنية.
فشل حكومة المنفى :
قال الدكتور نبيل أديب، الخبير القانوني ، في تصرّيح لصحيفة “الشارع السوداني” بأن فكرة تكوين حكومة منفى لن تنجح، معتبرًا أن من يقدم على هذه الخطوة سيجد نفسه في عزلة تامة عن جميع أطياف الشعب السوداني وأشار إلى أن الشعب السوداني يقف حالياً بصلابة خلف الجيش، الذي يراه حامياً للدولة في مواجهة قوات الدعم السريع التي تسعى، حسب قوله، إلى “نهب ممتلكات الشعب”.
وأوضح أديب أن أي سياسي يجب أن يكون قريبًا من مشاعر الشعب السوداني، وأن إقامة حكومة منفى لن تحظى بأي دعم شعبي أو دولي و أضاف أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، يتعامل مع الحكومة في بورتسودان على أنها الحكومة الشرعية للسودان. وأشار إلى أن الاتحاد الإفريقي، الذي كان قد قاطع الحكومة عقب أحداث 25 أكتوبر، عاد الآن للتواصل معها.
وأكد أديب أن الجيش السوداني يدافع عن بقاء مؤسسات الدولة، وهو أمر أساسي لتطبيق أي نظام حكم، سواء كان ديمقراطياً أم غير ذلك وخلص إلى أن تكوين حكومة منفى سيكون عملًا معزولًا على الصعيدين الداخلي والدولي، وسيدفع من يقوم به إلى “هاوية لا قرار لها”.
الانقسام داخل تقدم :
في تصريح لصحيفة “الشارع السوداني”، أوضح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “التيار”،السودانية الأستاذ عثمان ميرغني، أن الانقسام داخل مجموعة “تقدم” يعود إلى اختلاف المنطلقات بين أطرافها.
وأشار ميرغني إلى أن هناك مجموعة تعتقد أن الوقت قد حان لتحديد الأنصبة السياسية لكل طرف، بما في ذلك ما يمكن أن يناله من سلطة بعد انتهاء الحرب، واضح هذه المجموعة ترى أن عدم الاتفاق الآن، خلال فترة الحرب، سيجعل من الصعب المساومة على نصيب معتبر من السلطة لاحقاً وفي المقابل، تنطلق مجموعة أخرى من منطلقات مبدئية، حيث ترى ضرورة وجود حكومة تسد الفراغ الحالي في السودان، معتبرة أن المجموعة لا تعترف بالحكومة القائمة حالياً، بينما ترفض أطراف أخرى، مثل حزب الأمة القومي، فكرة تكوين حكومة جديدة، بحجة أن ذلك قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، إذ يتيح لقوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها بتشكيل حكومة خاصة بها.
وأضاف ميرغني أن هذه التوجهات المختلفة تتفق في الحاجة إلى تشكيل حكومة، لكنها تختلف في توقيت ذلك فهناك من يدعو إلى تشكيلها فوراً، ومن يفضل تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الحرب، بينما يرى آخرون أن تشكيلها يجب أن يكون ضمن توافق سياسي شامل مع مكونات أخرى بعد الحرب.
وأكد ميرغني أن هذا الاختلاف يؤطر لانقسام سياسي حقيقي، مما يقلل من فرص التوافق بين الأطراف السياسية على رؤية موحدة لما بعد الحرب ورأى أن أي توافق سياسي مستقبلي يمكن أن يساعد في إنهاء الحرب بسرعة، لكن استمرار الانقسام حول تشكيل حكومة في المنفى حالياً سيزيد من تعقيد الأزمة كما لفت إلى أن فكرة حكومة المنفى لا تحظى حالياً بدعم إقليمي أو دولي كافٍ، بسبب شكوك الأطراف الدولية في قدرتها على إطفاء نيران الحرب
بذور الانقسامات:
أشارت الباحثة في العلاقات الدولية، الأستاذة منى عبدالفتاح، إلى أن تنسيقية “تقدّم”، التي تأسست في أكتوبر 2023، جاءت بوصفها مظلة جمعت قوى مدنية وحزبية مختلفة توحدت تحت وطأة الأزمة السودانية، لكنها ظلت عرضة للتصدع والانقسام وأضافت أن هذه القوى تحمل إرثًا من الانشقاقات الداخلية، والتي انتقلت معها إلى التحالف الحالي
وأوضحت الأستاذة منى أن التنسيقية تضم أطيافاً متنوعة من المشهد السياسي السوداني، بما في ذلك قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة، والجبهة الثورية، والنقابات المهنية، في محاولة لتمثيل مختلف شرائح الشعب السوداني. غير أنها شددت على أن القوى السياسية السودانية تاريخياً، تحمل في بنيتها التنظيمية بذور الانقسام، وهو ما ظهر جلياً في فترات السلم، كما في أوقات النزاعات والحروب الأهلية.
فيما يتعلق بفكرة تشكيل حكومة منفى، أكدت الباحثة أن العقبات التي تواجه القوى السياسية السودانية عديدة ومعقدة فمن جهة، تعجز هذه القوى عن توحيد صفوف أعضائها وإقناع قواعدها بالسياسات المشتركة، مما يثير تساؤلات حول قدرتها على استقطاب الشعب السوداني وتعبئته حول برنامج سياسي موحد و أشارت إلى أن “تقدّم” كثيراً ما تحدثت عن الإصلاح التنظيمي، إلا أن هذه المشكلة ظلت مصاحبة للمكونات السياسية منذ عقود.
وأبرزت الباحثة أن القوى السياسية السودانية لطالما عملت في الشتات، سواء بدوافع أيديولوجية أو إثنية أو ببرامج وطنية، إلا أنها أحياناً اتخذت منحى يتجاوز حدود الوطن وكأنها تُشكل هوية عابرة للحدود. ورغم تمتع النخب السياسية السودانية بدرجة عالية من التنظيم والنضال من أجل الديمقراطية، إلا أن تنافسها الداخلي حول تمثيل الأمة الناشئة غالباً ما أضعف جهودها في مواجهة الحكومات المتعاقبة.
وفي حديثها عن تأثيرات الخطوة التي قد تقدم عليها “تقدّم” في تشكيل حكومة منفى، نوهت الباحثة إلى ضرورة مراعاة التطورات الداخلية وحالة “اللاحسم” التي تمر بها الحرب السودانية و أشارت إلى التأثيرات الإقليمية، حيث تشكل التوترات في المنطقة ضغطاً إضافياً على الواقع السوداني.
أما على الصعيد الدولي، فاعتبرت الباحثة أن انشغال العالم بمصالحه في مناطق أخرى قد يفضي إلى تهميش الأزمة السودانية، مما يزيد من خطر تحول مشروع حكومة المنفى إلى مبادرة هامشية في ظل الأزمات العالمية المتعددة واختتمت تصريحها بالتأكيد على أن نجاح أي خطوة من هذا النوع يتطلب رؤية واضحة وقدرة على قراءة الواقع السياسي الداخلي والإقليمي والدولي بشكل دقيق.
في تصريح لصحيفة “الشارع السوداني”، أوضح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ الفاتح بهلول أن انعقاد اجتماع المجلس القيادي لتنسقية “تقدم” في العاصمة الأوغندية كمبالا يأتي في وقت تشهد فيه البلاد تصاعداً غير مسبوق في أعمال العنف. وأشار بهلول إلى أن الاجتماع تضمن طرحاً لمقترحات سياسية، من أبرزها فكرة تشكيل حكومة موازية، وهو مقترح سبق أن طرحه سليمان صندل وتبناه كل من الطاهر حجر والهادي إدريس. وأضاف أن الشارع السوداني يدرك جيداً أن الأخيرين يقاتلان في صفوف مليشيا الدعم السريع.
وما أثار دهشة الأستاذ بهلول هو أن مقدمي هذا المقترح حددوا مناطق سيطرة الدعم السريع كمقر محتمل لهذه الحكومة المزعومة، ما يعكس نية واضحة لدى المليشيا لفصل إقليم دارفور عن السودان في حال فشلها في السيطرة على البلاد بأكملها، مشبهاً ذلك بما حدث في ليبيا. ومع ذلك، كشف بهلول أن غالبية أعضاء حركة “تقدم” – بنسبة تقارب 70% – عارضوا هذا المقترح، مما أدى إلى إجهاضه قبل أن يرى النور.
وأشار بهلول إلى أن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك دعا خلال الاجتماع إلى إعطاء الأولوية لوقف الحرب كخطوة أساسية قبل الدخول في أي اتفاق سياسي، مؤكداً بذلك أن محاولات تمرير مقترح الحكومة الموازية، التي روجت لها مليشيا الدعم السريع وبعض الجهات الداعمة لها، مثل الإمارات، قد باءت بالفشل.
وختم بهلول حديثه بالتأكيد على أن المليشيا، التي تحاول إدارة الولايات الخاضعة لسيطرتها، عجزت عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، مما يبرز فشلها الذريع وأضاف أن السكان في هذه المناطق إما مضطرون لدعم المليشيا أو مغلوبون على أمرهم، مشدداً على أن فكرة تشكيل حكومة موازية ما هي إلا محاولة يائسة لن تحظى بأي اعتراف شعبي، فضلاً عن الاعتراف الدولي