في رحيل الشيخ محمد عبد المتعال الطاهر الربيع

ضل الحراز

 

 

وداعًا يا إمام النور

 

بقلم علي منصور حسب الله

 

الرحيل الحزين

 

في صمتٍ مهيب غابت شمس من شموس نيالا وانطفأ مصباح من مصابيح المساجد ورحل الإمام الشيخ محمد عبد المتعال عبد الله الطاهر الربيع إمام مسجد نيالا العتيق وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم درمان الإسلامية وجامعة نيالا بعد أن أفنى عمره في خدمة القرآن والعلم والناس لم يمت في دياره ولا بين أهله وتلاميذه بل اختاره القدر أن يرحل غريبًا منفيًا بالحرب لا بالهوى في مدينة 6 أكتوبر بجمهورية مصر بعدما شردته نيران الفتنة التي لم تفرق بين شيخ مسجد ومقاتل لكنه وإن ابتعد جسده ظل قلبه معلّقًا بنيالا ومسجدها العتيق وتاريخ أسرته الممتد عبر القرون

 

نسبٌ عريق وأصول ضاربة في التاريخ

 

لم يكن اسماً عابراً في دفتر المصلين او قائمة الأئمة بل هو امتداد حي لسلسلة من العلماء والقراء والاتقياء الذين خطوا بأيديهم تاريخ التعليم الديني في دارفور وخاصة في نيالا آل الربيع خرجت العلماء في وأساتذة الجامعات والوزراء والنواب فهو ينتسب إلي أسرة الربيع الكنانية فرع السراجية الفخرية من كنانة الذين وفدوا إلى السودان منذ قرون واستقروا في دارفور في حاكورة دُمّة شمال نيالا كان جدهم الشيخ هارون قد قدم إلى المنطقة فاقتطعت له الميرم دُمّة بنت السلطان أبو القاسم بن السلطان بكر أرضًا بمنطقة تيمان فأقام فيها، وأصبحت ذريته منارة للعلم والقرآن.

 

من أبرز أعلام الأسرة:

الشيخ أحمد الربيع الطاهر الربيع حامد عمر هارون عبد المجيد عبد الحافظ الكناني (1888م تقريبًا)، الذي تلقى العلم في دار قمر، وتزوج من بنت السلطان إدريس القمراوي أبناؤه مصطفى، آدم، وأحمد، وفاطمة. ومنهم الشيخ مصطفى الطاهر الربيع الأزهري الذي تخرج في الأزهر الشريف عام 1939، قبل أن يغتاله الحسد في القضارف وارتبطت الأسرة بتاريخ التعليم القرآني في دارفور عبر الخلاوي والمساجد خصوصًا في كيلا ومرشينج وقانجو، حيث تخرج على أيديهم المئات من حفظة القرآن، وكانوا سندًا للمجتمع في الدين والعلم وبأسر معروفة من سلاطين القمر وسلاطين الفور والبرقد والزغاوة والعرب بجميع فروعهم

 

 

دور آل الربيع في مسجد نيالا العتيق

 

يرتبط تاريخ آل الربيع ارتباطًا وثيقًا بمسجد نيالا العتيق وكان أول من تولى الإمامة فيه بعد بنائه عام 1925 كان الفكي محمود من منواشي وكلمبه لكن عزله الإنجليز بعد أن اتهموه بالانتماء للأنصار وثورة الفكي السحيني فرشح الشرتاي آدم يعقوب تاو بعد ذلك الشيخ الطاهر الربيع إمامًا فقام بالمهمة خير قيام لاثنتي عشرة سنة ثم تولى ابنه الشيخ أحمد الربيع الطاهر الربيع الإمامة فواجه منافسة وحسدًا من بعض شيوخ المدينة لكنه ثبت حتى صار إمامًا بغير منازع عُرف بكرمه وعلمه وتواضعه، وأسس نظامًا في تعليم التجويد والتفسير والخلاوي وبعده جاء الشيخ عبد الرحمن آدم الطاهر الربيع الذي أدخل تحسينات على خطب المسجد بما يواكب العصر بهذا أصبح مسجد نيالا العتيق منارةً لدارفور كلها، عبر جهود آل الربيع جيلًا بعد جيل.

 

 

الشيخ محمد عبد المتعال… سليل النور

 

الشيخ محمد عبد المتعال هو سليل الإمام أحمد الربيع وأحد أبرز أحفاده الذين حملوا لواء الإمامة لم يكن مجرد إمام صلاة بل مربٍ ومرشد ومعلّم ووالد روحي جمع بين العلم والورع والخلق الكريم صوته حين يرتل القرآن كان كنسمة رحمة تنزل على القلوب ووجهه كان مأوى للمساكين واليتامى والأرامل علّم في الجامعة وخطب في المسجد وربّى في الخلوة وشارك الناس أفراحهم وأتراحهم لذلك لم يكن إمامًا داخل المسجد فقط بل إمامًا في السوق والمشفى والبيت

 

 

المحنة والاغتراب

 

حين اشتعلت نيران الحرب في السودان لم يكن الشيخ ظل على حاله في المحراب يُعلّم ويصلي ويواسي لكن الحرب لا ترحم فأجبرته على النزوح بعيدًا عن مدينته حتى انتهى به المطاف إلى مصر حيث وافته المنية دفن بعيدًا عن موضع سجوده لكن ذكراه باقية في القلوب فالقرب والبعد لا يُقاسان بالمكان بل بالمحبة

 

 

البقاء في الذاكرة

 

لم يرحل الشيخ محمد عن قلوب الناس في كل تلميذ علّمه في كل خطبة وعظة سمعوها منه في كل صدقة أسداها وفي كل دم سيتذكر الناس شيخهم عند صلاة كل عيد بساحة السحيني وعند كل صلاة بالمسجد العتيق سفتقد الناس خطبه القوية وصوته الصادح بالحق