حين لا تكفي الإدانة من (الدعم السريع) إلى دويلة الإرهاب العابر للحدودعلي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

ضل الحراز

 

بقلم علي منصور حسب الله

لم يعد تصنيف مليشيا الدعم السريع كجماعة إرهابية كافيًا بعد كل ما اقترفته من جرائم ممنهجة ضد الإنسانية وخرق فاضح للقانون الدولي الإنساني في السودان، خصوصًا ما شهدته مؤخرًا مدينتا الفاشر والأبيض من قصف همجي باستخدام طائرات مسيّرة محمّلة برؤوس كيميائية في جريمة نوعية غير مسبوقة تنذر بتحوّل هذه المليشيا من جماعة مسلّحة محلية إلى قوة إبادة جماعية عابرة للحدود فالمجازر التي نفذتها هذه القوات لم تعد تندرج تحت بند الانتهاكات بل تخطت كل الخطوط الحمراء الأخلاقية والقانونية قتلٌ على أساس قبلي وعرقي تصفية ممنهجة للمدنيين دفن ضحايا أحياء في الجنينة اغتصاب النساء وتعذيب الفتيات حتى الموت وها هي اليوم بعد صمت المجتمع الدولي ترتكب جريمةً جديدة باستخدام أسلحة دمار شامل وسط تواطؤ دولي مريب وصمت مؤسساتي يُثير التساؤلات أكثر مما يقدّم الإجابات وما حدث في الفاشر والأبيض لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان وفقًا لاتفاقيات جنيف واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993م والتي تُجرّم استخدام المواد السامة أو الكيميائية في النزاعات المسلحة وتُلزم الدول الأعضاء بالتحقيق والمحاسبة لقد شملت الهجمات قصفًا عشوائيًا على أحياء مكتظة بالمدنيين مخلفةً قتلى وجرحى من الأطفال والنساء وكبار السن وسط صمت دولي مخجل يرقى إلى درجة التواطؤ بالصمت المريب ومع هذا التصعيد غير المسبوق لم يعد من المقبول التعامل مع مليشيا الدعم السريع كجهة مسلّحة فوضوية بل ككيان إرهابي منظم يمتلك تسليحًا نوعيًا وقدرات استخباراتية ولوجستية لا يمكن تفسيرها إلا بوجود دعم خارجي مباشر لقد بات من الواضح أن هذه المليشيا لا تتحرك بمفردها بل بدعم خارجي منظم تقف خلفه دول بعينهاووفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة التي تحوّلت من (لاعب اقتصادي) في إفريقيا إلى راعٍ رسمي للمليشيات الدموية في السودان وليبيا واليمن هذا الدور التخريبي يفضح ازدواجية أبو ظبي التي تظهر في المحافل الدولية كمُناصر للسلام بينما تمارس على الأرض أدوارًا لا تقل خطورة عن دور مرتزقة الحرب تقارير موثوقة وشهادات دبلوماسية مسرّبة تؤكد أن الإمارات قدمت أنواعًا متطورة من الطائرات المسيّرة ومعدات الاتصال ومواد كيميائية إما عبر شركات وسيطة في دول ثالثة أو بشكل مباشر مستغلة ضعف الرقابة الدولية على تجارة السلاح في إفريقيا إن خطوط الإمداد الجوية والبحرية التي نُقلت عبرها هذه الأسلحة يجب أن تُفتح لتحقيقات عاجلة من قبل الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
وما يؤكد تورط مليشيا الدعم السريع في هذه الجريمة البشعة هو الاعترافات الصريحة من أبواقها مثل عبد المنعم الربيع والخال جعفر (خال الدعامة) اللذَين أعلنا بكل صفاقة أن استخدام السلاح الكيميائي كان قرارًا واعيًا ومقصودًا لا مجرّد تصعيد عسكري وكما جاءت دعوات صريحة على ألسنة إعلاميي المليشيا كـإدريس صوت الهامش الذي قال علنًا (اضربوهم بمسيل الدموع) وهو تعبير محلي يُشير إلى الغازات الكيميائية القاتلة لا تلك المستخدمة في فضّ الشغب هذا الإقرار يؤكد أن عجز المليشيا عن دخول الفاشر دفعها إلى استخدام خيار الإبادة متجاوزةً كل المحاذير الأخلاقية والإنسانية السلوك المتواتر لهذه المليشيا يشير إلى أن الدعم السريع لم تعد مجرّد مجموعة مسلحة خارجة عن القانون بل دويلة إرهابية داخل الدولة تعمل وفق منظومة تمويل وتسليح وتحريض إعلامي واضح المعالم من غير المقبول أن تستمر هذه المليشيا في ارتكاب جرائمها بينما ينعم داعموها بالحماية السياسية والدبلوماسية من دول تدّعي محاربة الإرهاب في المحافل الدولية إن استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان يُمثّل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي ويستدعي تحركًا عاجلًا من مجلس الأمن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والمحكمة الجنائية الدولية من خلال إرسال بعثات تقصي دولية مستقلة للتحقيق في الهجمات
وإجراء مسوحات بيئية وطبية لتوثيق آثار الأسلحة المستخدمة
وتحديد المسؤولية الجنائية للأفراد والمؤسسات بما يشمل القادة العسكريين والداعمين الخارجيية وتصنيف دولة الإمارات كراعٍ للإرهاب في إفريقيا والمنطقة العربية وعلى المجتمع السوداني أن يتحرك فالصمت الدولي لا يُعفي المجتمع السوداني من واجبه في توثيق الجرائم ورفع الدعاوى القضائية والتواصل مع المنظمات الحقوقية الكبرى مثل هيومن رايتس ووتش
ومنظمة العفو الدولية
والمحكمة الجنائية الدولية كما يجب إطلاق حملات مدنية ودبلوماسية للضغط على المجتمع الدولي من أجل فرض عقوبات صارمة على الدول والجهات التي تموّل هذه الجرائم وعلى رأسها الإمارات فإن دماء الأبرياء في الفاشر والأبيض تصرخ لا في وجه القاتل فقط بل في وجه من موّل وسهّل ومرّر وسكت فإن لم يتحرك الضمير الإنساني فسيتحوّل الصمت إلى شراكة الرسالة واضحة القتلة لن يتوقفوا ما لم يتم ردعهم فالسودان لا يطلب صدقة بل عدالة ولن يصمت شعبه ولن تغفر ذاكرته ولن تُمحى آثار القصف بالمواد الكيميائية من أجساد الضحايا ولا من ضمير العالم