(ضل الحراز) علي منصور يكتب … زمزم بين نيران الميليشيات وأكاذيب التضليل الإعلامي

عندما تتحول الحقيقة إلى ضحية، ويصبح التضليل سلاحًا، يصبح الخطر أكبر من مجرد رصاص بيد الميليشيات لحريق الأسواق. هذا ما حدث في مخيم زمزم للنازحين، حينما تعرض المخيم لهجوم وحشي من مليشيات الدعم السريع، التي نهبت السوق، وأحرقت المحال التجارية والخيام، تاركة النازحين بين التشريد والموت. لكن المأساة الحقيقية لا تكمن في الجريمة فقط، بل في التواطؤ الإعلامي الذي اختار أن يزوّر الحقائق بدلاً من نقلها.

خرجت بعض المنصات الإخبارية التي يديرها صحفيون محترفون ، لتروج لرواية مفبركة، زاعمة أن المخيم كان معسكرًا لقوات حركة تحرير السودان بقيادة مناوي. كيف يمكن تبرير استهداف سوقٍ مدني وخيام تأوي الفارين من ويلات الحرب؟ وكيف يمكن تجاهل الشهادات الحية من شهود العيان والتقارير الحقوقية التي تؤكد أن الضحايا مدنيون لا علاقة لهم بأي صراع عسكري؟ هذا التضليل الإعلامي ليس مجرد خطأ مهني، بل هو امتداد لأجندات تبرير الجرائم، وهو يشوه الحقيقة ويمارس دورًا فاعلًا في تعميق معاناة النازحين.

لكن الحقيقة التي حاولوا طمسها هي أن النازحين في زمزم لم يكونوا إلا ضحايا للميليشيا نفسها ، حينما مارست مليشيات الدعم السريع قبل تقنينهم جرائم إبادة جماعية بحقهم أثناء أزمة دارفور عام 2003. منذ ذلك الحين، فرّ هؤلاء المدنيون من القتل الجماعي والدمار الذي خلفته الميليشيات، ليجدوا أنفسهم لاجئين في المخيمات، ومخيم زمزم كان واحدًا من هذه الملاذات. في حينه، دفعت هذه الفظائع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر توقيف بحق قادة الميليشيا ورعاتها.

اليوم، وبعد الهزيمة التي منيت بها الميليشيا في زمزم وطردهم منها بعد ظهور قوة الفزع، ما زالت مليشيات الدعم السريع تحاول إعادة كتابة التاريخ. أحد أفراد الميليشيا ظهر في مقطع فيديو ليزعم أن المليشيا دخلت “آخر معاقل جيش مناوي” في محاولة يائسة لصناعة “نصر” مزيف، رغم أنهم هُزموا للمرة 183 في الفاشر وطردوا من الجزيرة والخرطوم وكردفان. هؤلاء الذين لم يحققوا نصرًا حقيقيًا يبحثون عن “فرح كذوب” و”نصر مزيف”، لكن هيهات، هيهات، هيهات. الكذب حبله قصير، ولن تدوم هذه الأكاذيب طويلاً.

مخيم زمزم، الذي كان ملاذًا للنازحين، معلوم للمنظمات الدولية التي زارته منذ عام 2003. العالم يعرفه جيدًا، لكن الميليشيات وأبواقها الإعلامية ما زالت تحاول إخفاء الحقيقة. الحقيقة التي تظل واضحة، مهما حاولوا تزويرها، أن المعسكر ليس إلا ملجأ للنازحين، وأن الضحايا في زمزم هم ضحايا الميليشيا نفسها، وهم في أمس الحاجة اليوم إلى صوت عادل يكشف لهم الظلم ويحاسب الجناة.

في النهاية، لا يحتاج هؤلاء النازحون إلى بيانات التضليل، بل إلى أصوات صادقة تكشف المجرمين وتدافع عن الضحايا. فالتاريخ لا يرحم، والعدالة، مهما تأخرت، ستأتي.