ضل الحراز: بقلم علي منصور حسب الله
تشهد العلاقات بين الجزائر ودولة الإمارات تصعيدًا غير مسبوق، بلغ ذروته بتصريحات نارية بثها التلفزيون الجزائري الرسمي، اتهم فيها الإمارات بشن حملة إعلامية ممنهجة تمس ثوابت وهوية الشعب الجزائري. التصعيد الإعلامي الأخير ليس عارضًا، بل يبدو امتدادًا لتوترات مكتومة، انفجرت فجأة في وجه التاريخ والجغرافيا والسيادة.
التلفزيون الجزائري لم يتردد في استخدام تعبيرات صارخة مثل (دويلة مصطنعة) و(كيانات هجينة) ، في وصفه للإمارات، معبّرًا عن غضب رسمي وشعبي من خطاب إماراتي أنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، متطاولًا على وحدة وهوية شعب دفع الملايين من الشهداء ليحميها. الجزائر، بتاريخها المقاوم، تنظر إلى المساس بهويتها لا كمجرد خلاف سياسي، بل كعدوان على ذاكرتها، دمها، ومصيرها المشترك.
من جانب آخر، يُثير هذا التصعيد تساؤلات حول الغاية من استفزاز الجزائر في هذا التوقيت. هل هو اختلاف في الرؤى الإقليمية؟ أم أنه صراع نفوذ يتستر خلف الإعلام؟ الجزائر تعتبر أن الطعن في أصول شعبها وتاريخه ليس مجرد إساءة إعلامية، بل هو عمل عدائي يمس قيمها، وسيادتها، ويستفز رصيدها النضالي الذي لا يُقارن.
لكن اللافت ليس فقط حجم التصريحات، بل نبرتها. إنها ليست لغة دبلوماسية، بل خطاب مقاومة سياسية وثقافية، يستند إلى سردية جزائرية راسخة مفادها أن من ليس له جذور لا يفهم قيمة من يملكها. الجزائر الجديدة، كما يصفها التلفزيون الرسمي، لا تهادن في مسائل تتعلق بالهوية والسيادة، وتستعد للرد كما (يفعل الشامخون) .
وفي ضوء هذه الأزمة، يتضح أن المنطقة العربية تدخل مرحلة أكثر هشاشة في علاقاتها البينية، حيث تتحول الخلافات السياسية إلى معارك إعلامية تمس جوهر الكيانات. إن الحفاظ على الحد الأدنى من الاحترام المتبادل، والابتعاد عن استخدام أدوات التشكيك والتأليب، أصبح ضرورة لا خيارًا.
الرد الحقيقي على أي طعن ليس فقط في التصعيد المقابل، بل في تعزيز الوحدة الوطنية، وحماية الذاكرة التاريخية من أن تُستخدم سلعة في بازار الإيديولوجيا والمصالح. الجزائر، بتاريخها الثوري وثقلها الشعبي، تعرف تمامًا أن من يستهين بجراحها، لا يعرف شيئًا عن قوة صبرها، ولا عن ثقل ردها عندما تختار أن ترد.