على خلفية أحداث النهود: علي منصور حسب الله:لا مقاومة بلا صلابة نفسية.. ودعم القوات يبدأ من تماسك الجبهة الداخلية

ضل الحراز:  بقلم علي منصور حسب الله

 

في خضم الأزمات الكبرى، لا سيما الحروب، لا تُختبر الجيوش في الميدان وحده، بل تُختبر المجتمعات في أعماقها النفسية والعاطفية. وما نراه اليوم في غرب كردفان، خصوصًا في النهود والخوي، من تطورات عملياتية، لا يعدو كونه فصلاً طبيعيًا من فصول الحرب، لا يخرج عن المألوف في مسرح العمليات. غير أن اللافت والمقلق في آنٍ واحد هو الانكشاف الواسع للهشاشة النفسية في صفوف المواطنين، خصوصًا في البيئة الموالية للقوات المسلحة.

 

 

 

لقد بات واضحًا أن كل حدث ميداني طارئ مهما كان محدودًا يتسبب في موجة من ردود الفعل الانفعالية التي تتسم بالمبالغة والتشاؤم، حتى وإن كانت الوقائع العسكرية تشير إلى تفوق الجيش ميدانيًا، وقدرته على التقدم بثقة نحو ما وراء النهود. هذه الهشاشة النفسية لا تعكس الواقع العملياتي، بقدر ما تعبّر عن تراكم الضغوط وسوء المعالجة الإعلامية والاجتماعية لها، وتفتح المجال أمام الأصوات المتربصة التي تبث دعاوى التخذيل، وتؤجج نيران التخوين، وتدفع بالجمهور إلى مهاوي الإحباط.

 

 

إن الحرب ليست فقط اختبارًا للمدافع والدبابات، بل للتماسك الداخلي، والقدرة على الصمود تحت الضغط، والثبات في وجه الدعاية المعادية. ومن هنا، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع أخبار الميدان؛ أن نقرأها بعين الحكمة لا الخوف، وبمنطق الفهم لا التهويل. يجب أن ننأى عن اللهاث وراء الإشاعات، وعن المبالغة في جلد الذات، فعدونا يعوّل على تفكك جبهتنا النفسية أكثر من أي شيء آخر.

 

 

وإذا كانت العمليات في غرب كردفان مرشحة للتصاعد من جانب مليشيا الدعم السريع، مع ما قد يصاحبها من حملات إعلامية عدائية وقصف بالطائرات المسيّرة، فإن الرد الأجدى لا يكون بتبادل الاتهامات أو التشكيك في الأداء السياسي والتنفيذي، بل في تعزيز الصلابة النفسية للمجتمع. على الإعلاميين والمثقفين والداعمين للمجهود الحربي أن يوجهوا طاقاتهم نحو بناء الثقة، وترميم الروح العامة، لا تمزيقها.

 

 

في لحظات المحن، يحتاج الناس إلى من يعينهم على الصبر، لا من يغرقهم في الشك والهلع. ولهذا فإن الإرشاد النفسي والاجتماعي، والدعم الأسري، يجب أن يكونا جزءًا من منظومة إدارة الأزمة. الحرب ليست فقط في المتاريس، بل في العقول والنفوس.

 

 

ولذلك نقول: دعم الجيش لا يكون بالشعارات فحسب، بل بتماسك الجبهة الداخلية، وتوحيد الصفوف، والابتعاد عن لغة التشكيك والخذلان. المطلوب ليس فقط أن نقف مع الجيش، بل أن نقف مع بعضنا البعض، وأن نتجاوز ردود الأفعال العاطفية التي لا تليق بحجم التضحيات المبذولة. إن بناء النصر يبدأ من داخل النفوس.