السفير شرفي… من حفيد الأشراف إلى موظف في بلاط أبوظبي

ضل الحراز:  علي منصور حسب الله

 

من العسير على المرء أن يقرأ البيان الهزيل الصادر عن المدعو عبد الرحمن شرفي دون أن يشعر بالخزي والعار مما آلت إليه بعض الشخصيات التي يُفترض بها تمثيل السودان في محافله الدولية. فأن يصدر عن “سفير سابق” بيان يتباكى فيه على علاقته بأسياده في أبوظبي، بينما يتعرض الوطن لعدوان خارجي غاشم تقوده الدولة نفسها، لهو قمة الانحطاط والانفصام الوطني.

 

السيد عبد الرحمن شرفي، حفيد أمير المهدية أحمد شرفي، تنكر لإرث أسرته النضالي، وتحول إلى بوق للمخابرات الإماراتية؛ موظف صغير يتحدث بلغة الخضوع السياسي تحت راية ما يسميه بـ”الشرعية”. ولكن، أي شرعية هذه؟ وهو موظف مفصول، مطرود من الخدمة، ولا يملك أي صفة قانونية تخوله التحدث باسم السودان!

 

فما الذي يمتلكه هذا السفير المفصول ليتمرد على قادة وزارة الخارجية؟ وهو الذي رفض الامتثال لاستدعائها وامتنع عن العودة من أبوظبي.

 

بدأ عبد الرحمن شرفي مسيرته في وزارة الخارجية عام 1985، حيث عُيّن سكرتيرًا ثالثًا في سفارة السودان بزيمبابوي عام 1988، ثم انتقل إلى نيودلهي كمستشار، ونيروبي كوزير مفوض، قبل أن يُعيّن أول سفير للسودان في فنزويلا عام 2009. كما شغل منصب مدير إدارة المراسم، ثم سفيرًا في الإمارات عام 2022. ولا يملك من رصيده سوى اسم العائلة، إذ أن والده هو اللواء أحمد خالد شرفي، القائد الأسبق لسلاح المهندسين.

 

في عام 2013، تم فصله من منصبه في فنزويلا بعد مغادرته إلى كندا دون إخطار الوزارة، وسط أنباء عن تقديمه طلب لجوء هناك. وقد فُصل بموجب المادة (50) من قانون الخدمة المدنية، قبل أن يُعاد إلى الخدمة لاحقًا عبر لجنة النظر في قضية المفصولين تعسفيًا، التي أوصت بإعادته ضمن عشرة دبلوماسيين بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (51) لسنة 2020، بحجة أنه فُصل تعسفيًا، مع أن الحقيقة غير ذلك. فقد تمرغ في نعيم نظام “الكيزان”، وانتقل من موظف صغير إلى سفير، قبل أن “يرفس النعمة”.

 

 

أُعيد تعيينه سفيرًا في أبوظبي في سبتمبر 2022، وبقي في منصبه حتى صدور قرار بإقالته. واليوم، يدّعي الانحياز للثورة، بينما لا صلة له بالثوار؛ فصعوده في عهد الكيزان أكبر شاهد على ذلك.

 

 

ولم يكن عبد الرحمن الوحيد في هذا السلوك؛ فقد تبعه بعد عام ابن عمه السفير عادل شرفي، الذي تخلى عن منصبه في كمبالا عام 2014 وغادر إلى لندن لينضم إلى الجبهة الثورية. كما أن محمد حسين شرفي، شقيق عادل وابن عم عبد الرحمن، غاب عن آخر مراحل التعيين، مفضّلًا البقاء في قطر، ورغم ذلك أُعيد للخدمة ضمن المفصولين، مع أنه لم يُعيّن أصلًا! يبدو أن هذا النمط أصبح عادةً عائلية.

 

 

ورغم أن أسرة شرفي تُعدّ من الأسر الأم درمانية العريقة، وكان لها شأن منذ عهد المهدية، إلا أن هذه الخلفية الوطنية تلطخت بممارسات أبنائها، الذين اختاروا الابتعاد عن خط الثورة والانخراط في علاقات مريبة مع أنظمة أجنبية.

 

 

المفارقة أن وزارة الخارجية لم تُبادر باستدعاء السفير عبد الرحمن من أبوظبي، ولم تراجعه في مواقفه، بل تركت السفارة للقائم بالأعمال، بينما كانت الخارجية الإماراتية أسرع في استدعاء سفيرها من الخرطوم.

 

 

 

ويُذكر أن الإمارات تُغدق بالامتيازات على السفراء السابقين الذين يختارون البقاء فيها، بمنحهم مساكن فاخرة وخدمات أخرى. ويقيم هناك حاليًا السفيران الكارب وأحمد يوسف. فهل ينضم إليهم عبد الرحمن شرفي؟

 

 

 

منذ استدعائه إلى بورتسودان قبل عام، امتنع شرفي عن تنفيذ الأمر، ما أفقده موقعه وصلاحياته، والتي حُوّلت إلى القائم بالأعمال. ورغم ذلك، لا يزال يتحدث وكأنه وصيّ على إرادة السودانيين، متذرعًا بـ”شرعية ثورية” زائفة، بينما يعيش في كنف الرفاهية بأبوظبي!

 

 

 

أما بيانه الأخير، فليس سوى محاولة فاشلة لتبييض وجه نظام أبوظبي، الذي يمول المليشيات، ويقصف المدنيين بطائراته المسيّرة، ويغرس الفتن عبر واجهات مثل “مشيخة بوصاصو” في أرض الصومال. فهل يظن شرفي أن الشعب لا يرى اليد التي تمزق وطنه؟ أم يعتقد نفسه بمأمن من المحاسبة لأنه يعيش في حضن دويلة تنفق عليه؟

 

 

 

من المؤسف أن يتحول رجل من بيت وطني إلى أداة للعمالة الناعمة، يروّج لـ”الكرم الإماراتي”، بينما لا يرى شعبه إلا طائرات الموت، ونهب الذهب، وتسليح المرتزقة.

 

 

 

وهل تظن، يا شرفي، أن التاريخ سينسى؟ بل سيسجل أنك كنت ممن خانوا الوطن من الخارج، بينما كان أبناؤه يقاتلون من الداخل. أنت ومن هم على شاكلتك، مثل دحلان وبقايا النخب الفاشلة التي باعت السودان بثمن بخس، ستذهبون إلى مزبلة التاريخ.

 

 

 

اعلم، وأمثالك، أن السودان بعد هذه الحرب لن يكون كما كان قبلها. فلن يكون للمتخاذلين والخانعين مكان في مستقبله. فإما أن تكون وطنيًا… أو لا تكون.