العفو العام وخارطة الطريق: هل يرسم البرهان ملامح مرحلة جديدة في السودان؟

تقرير: عبدالعظيم البشرى 

 

في خطوة تحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عن قرار العفو العام لكل من يتخلى عن مساندة مليشيا الدعم السريع سياسيًا، مؤكدًا أن الوقت قد حان للتمييز بين من ينحاز للوطن ومن يواصل دعم التمرد. كما وجّه بفك حظر الجوازات للسودانيين، مشددًا على حقهم في الحصول على الوثائق الثبوتية دون تمييز.

 

جاء هذا الإعلان في سياق لقاء البرهان مع القوى السياسية في بورتسودان، حيث أكد أن المؤتمر الوطني لن يعود إلى السلطة على حساب دماء السودانيين، مضيفًا أن قوى “تقدم” والحرية والتغيير والدعم السريع يقفون في ذات الخانة، ما لم يغيروا مواقفهم.

 

تزامن هذا التطور مع اختتام مشاورات القوى السياسية حول خارطة الطريق للحوار السوداني – السوداني، حيث تم الاتفاق على تعديلات في الوثيقة الدستورية وتشكيل حكومة من المستقلين بعد إجازتها، ما يعكس محاولة لصياغة واقع سياسي جديد في السودان.

 

 

خطاب يحمل بشريات لما بعد الحرب: 

 

في السياق ذاته، قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي إنن خطاب البرهان يبشر بمرحلة جديدة في السودان، مشددًا على أن السودان بحاجة إلى المصالحة الوطنية وقبول الآخر كأساس للخروج من الأزمة الراهنة.

 

وأكد مناوي في تدوينة له على الفيس بوك أن الحرب الحالية نتاج تراكم أخطاء سابقة، ويجب أن تكون عبرة لتأسيس السودان على أسس قوية ومتينة، تقوم على التسامح وسيادة القانون. كما شدد على أن إعلاء الحق والاحتكام إلى القانون هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار، داعيًا القوى السياسية إلى تجاوز الخلافات والتركيز على الوحدة الوطنية كأولوية للمرحلة القادمة.

 

اتفاق جدة… مرجعية للتعامل مع الدعم السريع:

 

رأى رئيس قوى الحراك الوطني، د. التجاني سيسي، أن حديث البرهان يتوافق مع ما تم الاتفاق عليه في منبر جدة، الذي نصّ على انسحاب مليشيا الدعم السريع من منازل المواطنين والمرافق المدنية، وهو مطلب متكرر منذ اتفاق 11 مايو 2023.

 

وأشار سيسي في تصريح خاص لـ”الشارع السوداني” إلى أن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع خلّفت تعقيدات مجتمعية يجب أخذها في الاعتبار، مؤكدًا أن مواقف القوى الوطنية لن تتغير بناءً على تصريحات البرهان، إلا إذا كانت تهدف إلى البقاء في السلطة خلال الفترة الانتقالية.

 

الطموحات السياسية… والتهافت على السلطة:

 

بدوره، رأى الصحفي المحلل السياسي خالد تكس أن التهافت السياسي لبعض القوى يكشف عن نوايا غير معلنة تجاه السلطة، مؤكدًا أن هناك إجماعًا على ضرورة الحوار السوداني – السوداني كمرحلة أساسية، أقرّتها مختلف المبادرات، بما فيها الاتحاد الإفريقي والمبادرة المصرية.

 

وأوضح تكس في تصريح خاص لـ”الشارع السوداني” أن بعض الكتل السياسية تطرح رؤى منفردة دون توافق شامل، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الاستعجال، خاصة مع مشاركة بعض القوى في حكومة الأمر الواقع.

 

وأضاف أن اجتماعات سابقة عقدت لتوزيع أنصبة سياسية بين حلفاء سابقين انضموا إلى “تقدم” بعد اندلاع الحرب، مما يفسر محاولات بعض القوى الوصول إلى السلطة قبل الانتخابات.

 

لا مفاوضات سرية بين الجيش و”تقدم”

 

مع إعلان العفو العام، تصاعدت التكهنات حول وجود مفاوضات سرية بين الجيش وتحالف “تقدم”، لكن رئيس تحالف سودان العدالة (تسع)، بحر إدريس أبو قردة، نفى ذلك جملةً وتفصيلًا، مؤكدًا أن أي محاولة للتفاوض سرًا ستكون خصمًا على الجيش.

 

واعتبر أبو قردة في تصريح خاص لـ”الشارع السوداني” أن إتاحة الفرصة لمن كانوا جزءًا من الدعم السريع أو داعميه سياسيًا للتخلي عن مواقفهم والانضمام إلى المسار الوطني خطوة إيجابية. لكنه شدد على أن الدخول في مفاوضات سرية مع هذه القوى سيكون خطأً كبيرًا من الجيش.

 

وأوضح أبو قردة أن “تقدم” كانت شريكًا سياسيًا وعسكريًا للدعم السريع، وساهمت في الأضرار والانتهاكات التي تعرض لها الشعب السوداني، مما أدى إلى تقلص نفوذه بشكل كبير.

 

وأشار إلى أن النجاحات العسكرية للجيش مؤخرًا ربما تدفعه لتعزيز مكاسبه سياسيًا، مستشهدًا بلقاء البرهان مع بعض القوى الوطنية الداعمة لمسار تثبيت الدولة.

 

خارطة الطريق… إعادة بناء السودان:

 

أكد الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية شمال، سعد محمد عبد الله، أن خارطة الطريق الحكومية تمثل فرصة حقيقية لإعادة ترتيب المشهد السياسي، مشددًا على أهمية العفو عن الذين يتخلون عن دعم مليشيا الدعم السريع، وضرورة التعامل الجدي مع هذه القضايا لإنهاء التمرد والإرهاب.

 

كما شدد على ضرورة الإصلاح السياسي والهيكلي، والمكاشفة عن الأخطاء السابقة، والتوجه نحو مستقبل آمن ومزدهر للسودان.

 

وفي السياق ذاته، دعت وزارة الخارجية السودانية المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، إلى دعم خارطة الطريق باعتبارها تمثل توافقًا وطنيًا لإرساء السلام والاستقرار، واستكمال مهام الانتقال السياسي.

 

وأكدت الوزارة أن الخارطة تتضمن إطلاق حوار وطني شامل، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وإجازة التعديلات الدستورية، إضافة إلى وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية كشرط لأي محادثات مع التمرد. كما شددت على ضرورة رفع الحصار عن الفاشر وانسحاب المتمردين من الخرطوم وغرب كردفان وولايات دارفور قبل أي اتفاق لوقف إطلاق النار.

 

المؤتمر الوطني… والعودة عبر الانتخابات فقط:

 

في سياق متصل، وجّه أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، رسالة إلى البرهان، قائلًا: “المعركة لم تنتهِ بعد، لذا فالمحافظة على وحدة الصف الوطني مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية.”

 

وأضاف: “عهدنا لكم ألا نعود إلى حكم إلا عبر تفويضكم الانتخابي الحر.”

 

وجاءت هذه التصريحات ردًا على تأكيد البرهان بأن المؤتمر الوطني لن يعود إلى الحكم على حساب دماء السودانيين، داعيًا قادته إلى الاحتكام للانتخابات مستقبلاً، والابتعاد عن المزايدات السياسية.

 

تحليل المشهد: ملامح مرحلة جديدة؟

 

من الواضح أن السودان يدخل مرحلة إعادة ترتيب المشهد السياسي، حيث يحاول الجيش فرض معادلة جديدة عبر العفو العام، وخارطة الطريق، واستبعاد القوى التي دعمت الدعم السريع.

 

لكن نجاح هذه الخطة مرهون بمدى استجابة القوى السياسية، ومدى قبولها بتشكيل حكومة انتقالية مستقلة تسبق الانتخابات، فضلًا عن الضغوط الدولية والإقليمية التي ستؤثر على مسار الأحداث.

 

هل تشهد الأيام القادمة مزيدًا من التحولات؟ أم أن التحديات الأمنية والسياسية ستعطل المسار نحو الاستقرار؟ الأيام وحدها ستجيب.