ضل الحراز: علي منصور حسب الله
إلى الدكتور كامل إدريس، وأنت تتهيأ لتشكيل حكومتك القادمة بكامل الصلاحيات، في مرحلة يُعوّل عليها الشعب السوداني كثيرًا لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة، والكفاءة، والنزاهة، اسمح لي – من منطلق المسؤولية الوطنية والحرص على الصالح العام أن أضع بين يديك بعض الملاحظات والاقتراحات بخصوص الشخصيات التي أثبتت جدارتها في إدارة الشأن العام، وأولهم الأستاذ خالد الأعيسر، وزير الثقافة والإعلام السابق.
لماذا وزارة الثقافة والإعلام؟
تُعد هذه الوزارة من أكثر الوزارات تأثيرًا في تشكيل وعي المواطن وبناء الرأي العام، وهي واجهة الحكومة أمام الناس والعالم، ولسنوات طويلة، ظلت تُدار بعيدًا عن الكفاءات الإعلامية الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى ضعف في الأداء، وتكلس في المؤسسات، وقطيعة مع القاعدة الإعلامية العريضة. وعليه، فإن اختيار شخصية متمرسة من داخل الوسط الإعلامي، تفهم طبيعة العمل، وتعقيداته، وتملك شبكة علاقات قوية داخل وخارج السودان، ليس ترفًا بل ضرورة وطنية ملحة.
خالد الأعيسر: الإعلامي الذي حوّل الفكرة إلى مؤسسة
حين أُسندت الوزارة إلى الأستاذ خالد الأعيسر، في واحدة من الحالات النادرة التي تولّى فيها إعلامي حقيقي هذا المنصب، بدأ مرحلة مختلفة عنوانها المؤسسية، والانفتاح، والشفافية.
الأعيسر لم يكن مجرد إداري يؤدي مهام روتينية، بل جاء بفكر إصلاحي، ورؤية شاملة، وأثبت أنه يملك القدرة على الجمع بين المهنية والانتماء الوطني العميق. ولشدة تفانيه وجرأته في الدفاع عن السودان في المحافل الدولية والإقليمية، أطلق عليه الشعب السوداني لقب “السوخوي”، تشبيهًا له بالمقاتلة الروسية الشهيرة، دلالةً على صلابته في المواقف.
من أبرز إنجازاته:
محاولة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009: وهي واحدة من أهم خطواته التي سعى من خلالها لتحويل القانون من أداة تقييد إلى أداة تنظيم وهداية مهنية. عمل على إعداد مسودة قانون جديدة، بالتشاور مع الإعلاميين والجهات القانونية، ما جعل الجميع يشعر بأنه شريك في صنع القرار.
وإعادة الاعتبار للتلفزيون القومي: من خلال خطوات إصلاحية جادة، شملت الهيكلة الإدارية والفنية، وفتح الباب أمام المحتوى الوطني الهادف، وكسر النمطية القديمة التي جعلت الجهاز منفرًا لعقود.
وإطلاق عملية إصلاح للإذاعة القومية ووكالة السودان للأنباء (سونا): بوضع خارطة طريق لتحديث البنية التحتية، ورفع كفاءة الكوادر، وجعل المؤسسات الإعلامية الرسمية جزءًا من مشروع الدولة لا أدوات تجميل مؤقتة.
انتهج نهج التفاكر والتشاركية مع الإعلاميين: كان قريبًا من الوسط الإعلامي بكل مكوناته، يستمع، يتحاور، يشاور، ويأخذ بالنقد قبل المدح، مما أكسبه احترامًا واسعًا لدى الصحفيين والإعلاميين، الذين رأوا فيه أخيرًا من يمثلهم بحق.
امتلاك رؤية إعلامية وطنية مستقلة: لم يكن مرتهنًا لأي تيار أو أيديولوجيا، بل كانت بوصلته دائمًا هي المصلحة العامة، وحق الناس في إعلام حر ومسؤول.
لو سألت لماذا يجب أن يستمر؟
أقول لأن التجربة معه لم تكتمل بعد، وقد وضع أسسًا تحتاج إلى من يتابعها ويُنجزها، لا إلى من يبدأ من جديد.
لأن وجوده في هذا الموقع يعزز من الثقة بين الدولة والمجتمع الإعلامي، ويعيد الاعتبار للعمل الصحفي كمهنة لا كأداة.
لأن الوزارة اليوم بحاجة إلى من يفهم الإعلام لا من يستهلكه، من يحرك المؤسسات لا من يتزعمها شكليًا.
لأن الأعيسر يملك علاقات جيدة مع الإعلام العربي والدولي، وهو ما تحتاجه الدولة السودانية في فترة إعادة التقديم والتواصل مع الخارج.
كلمة أخيرة
الأستاذ خالد الأعيسر لم يأتِ للمنصب متزينًا به، بل جاءه وهو متحملٌ لهمومه، ساعٍ إلى إعادة بنائه على أسس حديثة وواقعية. هو من الذين يضعون الطوبة لا يرفعون الشعارات. وإن استمر في موقعه، أو أُعيد تكليفه في ذات المسار، فإن الإعلام السوداني قد يستعيد عافيته ودوره الوطني بعد طول غياب.
فهل يكون أحد وزراء حكومتكم القادمة؟
في المقال القادم، أحدثكم عن شخصية ذات وزن في الملف الاقتصادي والسياسي: إلا وهو الدكتور جبريل إبراهيم محمد.