إلى الدكتور كامل إدريس قبل تشكيل الحكومة المقبلة (2)

ضل الحراز:  علي منصور حسب الله

 

 

إلى الدكتور كامل إدريس،

 

في إطار الحديث عن الشخصيات الوطنية التي يمكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في تركيبة حكومتكم القادمة، أجد من الضروري تسليط الضوء على الدكتور جبريل إبراهيم محمد، وهو من الأسماء التي يصعب تجاوزها عند الحديث عن الكفاءات ذات الوزن الثقيل في العمل السياسي والاقتصادي.

صاحب سيرة متنوعة وعقل إصلاحي وليس وافدًا طارئًا على المشهد العام، بل هو رجل يمتلك مزيجًا نادرًا من التجربة الميدانية، والخبرة الأكاديمية، والاحتكاك العملي بالشأن التنفيذي. شغل منصب رئيس حركة العدل والمساواة، وظل لفترة طويلة صوتًا سياسيًا عقلانيًا، يؤمن بالحلول الوسطية ، وساهم في توقيع اتفاق جوبا للسلام، الذي مثّل لحظة مفصلية في مسار الانتقال السوداني.

حين تسلّم حقيبة وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، كانت البلاد تمر بواحدة من أعقد مراحلها السياسية والاقتصادية: حيث

انعدام شبه كامل للموارد العامة

وعقوبات دولية معلقة

فضلاً عن ديون خارجية مرهقة ثم لاحقًا، اندلاع الحرب التي شلت حركة الدولة، وأربكت الأسواق، وأفقدت الحكومة السيطرة على معظم مفاصل الاقتصاد.

ورغم كل ذلك، نجح الدكتور جبريل بما يملكه من رؤية اقتصادية متماسكة في إبحار سفينة الاقتصاد وسط عاصفة. لم تكن هناك عصا سحرية، ولم يَعِد الشعب بالمعجزات، لكنه عمل بما هو متاح، وأدار الملف بمنطق التدرج، والإصلاح الهيكلي، والانضباط المالي. ومن أبرز ما يُحسب له:

تبنّي خطط إصلاح اقتصادي هيكلية، ضمن سياسات واضحة لمواجهة التضخم، وتحسين إدارة الموارد.

والتمسك بمبدأ الشفافية في إدارة المال العام، رغم الضغوط السياسية والظروف الاستثنائية.

والحفاظ على التوازن السياسي، وعدم الانزلاق إلى الخطابات الحادة أو الخطوط الحمراء التي قسمت الصف الوطني.

والانفتاح على المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، مما أسس لعلاقات تعاون واعدة، رغم تعثر الكثير منها لأسباب خارجة عن إرادة الدولة.

فمن السهل إطلاق الأحكام القاسية على أي وزير للمالية، لكن يجب تقييم أداء الدكتور جبريل ضمن سياقٍ هو الأسوأ في تاريخ السودان الحديث:

حرب شاملة طالت العاصمة والمناطق الاقتصادية الحيوية

انهيار شبه كامل للبنية المؤسسية

غياب إيرادات سيادية واقعية

ورغم كل ذلك، حافظ الرجل على إدارة معقولة للملف الاقتصادي، ولم تغرق السفينة بالكامل، وهو إنجاز في حد ذاته.

وزارة المالية كانت من نصيب الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وبما أن الاتفاق لا يزال قيد التنفيذ، فمن المنطقي سياسيًا واستراتيجيًا أن تستمر حركات الكفاح المسلح في شَغل مواقع تنفيذية، لضمان استدامة السلام وتحقيق التوازن السياسي.

استمرار د. جبريل يعني ضمان الانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة البناء، بدل إعادة إنتاج البدايات من جديد.

كما أن وجوده في الفريق الاقتصادي يمكن أن يُكسب الحكومة ثقة مؤسسات التمويل الدولية، باعتباره وجهاً معروفًا وموثوقًا به في الأوساط الدولية.

خلاصة القول

الدكتور جبريل إبراهيم ليس مجرد وزير مالية، بل هو قيادي متزن، وخبير اقتصادي، ومفاوض سياسي. يملك أدوات الدولة، ويفهم موازين القوى، ويعرف كيف يشتغل ضمن ظروف مركبة. في حكومة تسعى إلى إنقاذ الوطن من الانهيار وبناء مؤسسات حقيقية، فإن وجوده سيكون إضافة لا خصمًا.

فهل نراه إلى جانبكم في فريق وطني متماسك يرسم مستقبل السودان؟

في المقال القادم، أحدثكم عن شخصية مهمة في القطاع الاقتصادي والموارد الطبيعية: ألا وهو الأستاذ محمد بشير أبو نمو، وزير المعادن.