إلى الدكتور كامل إدريس قبل تشكيل الحكومة المقبلة (3)

ضل الحراز: علي منصور حسب الله

 

إلى الدكتور كامل إدريس،

ونحن نستعرض بعض الأسماء التي برزت في العمل التنفيذي خلال المرحلة الماضية، برؤية تقييمية لا تسعى للمجاملة، بل لتسليط الضوء على من يستحق أن يكون جزءًا من فريق وطني طموح، أجد من المفيد الحديث عن الأستاذ محمد بشير أبو نمو، وزير المعادن.

هذه الوزارة التي تمثل إحدى أهم ركائز الاقتصاد السوداني، وإحدى الوزارات المحورية في اتفاق جوبا للسلام لم تكن يومًا مجرد منصب بروتوكولي، بل هي واجهة اقتصادية سيادية، تتعامل مع الثروة المعدنية للبلاد، خصوصًا الذهب، والذي أصبح خلال السنوات الأخيرة المورد الرئيسي للنقد الأجنبي.

حين تولى أبو نمو المنصب، كان قطاع التعدين يعيش حالة من الفوضى والتشظي:

انتشار التعدين التقليدي بشكل عشوائي وغير مقنن.

تهريب الذهب وفقدان جزء كبير من عوائده خارج المنظومة الرسمية.

تراجع ثقة المجتمعات المحلية في وزارة المعادن، نتيجة التهميش وعدم استفادة المناطق المنتجة من ثرواتها.

احتكاكات بين الشركات الأجنبية والمواطنين في المناطق الحدودية.

ورغم كل هذه التحديات، استطاع الوزير أن يفرض حضورًا مختلفًا، يتميّز بـالهدوء، والحكمة، والتدرج في المعالجة، وهو ما كان مطلوبًا في بيئة معقدة مثل هذه.

ومن أبرز إنجازاته ومساهماته:

تقنين التعدين التقليدي: حيث سعى إلى تنظيم هذا النشاط الذي يُشغّل مئات الآلاف من السودانيين، من خلال إدخالهم تحت مظلة القانون، وتوفير الأطر الفنية والصحية والبيئية لحمايتهم وتحسين إنتاجهم.

وفي إطار مكافحة التهريب: عمل بالتنسيق مع الجهات المختصة على تشديد الرقابة على الذهب، وتطوير آليات الضبط والمتابعة، ما ساهم في زيادة الكميات المُصدّرة رسميًا، وبالتالي رفد خزينة الدولة بموارد جديدة.

قاد حوار إيجابي مع الولايات المنتجة:و لم يفرض المركز قراراته، بل استمع وناقش وتحاور مع المجتمعات المحلية، ما جعل العلاقة بين الوزارة والمواطن أكثر انسجامًا وأقل توترًا، وهو إنجاز يُحسب له في بيئة عادة ما تتسم بعدم الثقة.

وفي ما يخص تحقيق التوازن بين الاستثمار والتنمية المحلية: أدرك أن جذب المستثمرين لا يكفي، بل يجب أن يكون مصحوبًا بمسؤولية اجتماعية ملموسة، فدفع بالشركات إلى دعم المشاريع الخدمية والتعليمية والصحية في المناطق التي تعمل بها.

أحدث تطوير الشراكات الإقليمية والدولية:حيث أظهر قدرة على إدارة علاقات معقدة مع شركات كبرى ودول معنية بالثروات المعدنية، وهو ما يُعد عنصرًا مهمًا في أي مشروع اقتصادي كبير.

من الناحية السياسية، فإن وزارة المعادن تُعد واحدة من الوزارات المخصصة لحركات الكفاح المسلح بموجب اتفاق جوبا للسلام، وبما أن كثيرًا من بنود الاتفاق لا تزال قيد التنفيذ، فإن استمرار الشراكة العادلة يتطلب الاحتفاظ بتوزيع الحصص التنفيذية كجزء من الضمانات السياسية، إلى حين إكمال تنفيذ الاتفاق وتثبيت أسس العدالة الانتقالية.

إضافة إلى ذلك، فإن استمرار أبو نمو أو إعادة توظيف خبراته يصب في مبدأ التراكم المؤسسي، ويمنح الحكومة الجديدة فترة انطلاق سريعة دون الدخول في مرحلة التعلم من الصفر، وهو أمر بالغ الأهمية في ظرف استثنائي تمر به البلاد.

خلاصة القول

الأستاذ محمد بشير أبو نمو ليس فقط وزيرًا مارس مهامه بمهنية وهدوء، بل هو نموذج لقيادة تنفيذية راشدة، تضع مصلحة الدولة فوق الحسابات الضيقة. يعرف الملف جيدًا، ويملك أدوات تطويره، ويُحسن إدارة العلاقات السياسية والمجتمعية التي تحيط به.

في حكومة تسعى للجدية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على الكفاءة والخبرة، فإن الإبقاء على هذه النوعية من القادة، أو توظيفهم في مواقع مناسبة، يمثل مكسبًا لا عبئًا.

فهل نراه ضمن فريقكم التنفيذي في الحكومة القادمة؟