الفاشر تحاصرها المجاعة… متى يتحرك الضمير؟

ضل الحراز: علي منصور حسب الله 

الوضع في مدينة الفاشر رغم القصف والحصار والدمار لا يزال من الناحية العسكرية مطمئناً. فالشباب والرجال هناك قدموا أروع صور البطولة والفداء في التصدي لميليشيا الدعم السريع، ووقفوا درعاً صلباً في وجه محاولة اجتياح المدينة واحتلالها. هم لا يدافعون عن بيوتهم أو فرقتهم الفرقة السادسة مشاه فقط، بل عن بقايا وطن يحاول النجاة من مشروع إجرامي ممنهج يُنفَّذ بلا رحمة ولا وازع.

لكن على جبهة أخرى، جبهة ربما أكثر قسوة وخطورة من المدافع والرصاص، بدأت تظهر ملامح كارثة إنسانية كبرى: المجاعة.

الفاشر اليوم ليست في معركة عسكرية فحسب، بل في معركة بقاء. الحصار المطبق من قبل ميليشيا الدعم السريع أنهك المدينة، وجعل الحياة اليومية فيها معاناة لا تُطاق. المخزون الاستراتيجي من الحبوب والسلع الأساسية ينفد يومًا بعد يوم. الأسعار ترتفع بجنون، ومحدودو الدخل وهم الغالبية أصبحوا عاجزين عن توفير الخبز أو الماء أو الدواء. والمليشيا تدرك تماماً ما تفعله؛ إنها تمارس سياسة “التجويع كسلاح حرب”، وتطبق استراتيجية خبيثة تهدف لكسر إرادة المدنيين عبر الجوع والعطش والدواء المقطوع.

حين أقدمت هذه المليشيا على حرق شاحنات برنامج الغذاء العالمي المتجهة نحو الفاشر في الكومة بعد أن احتجزتها لمدة أسبوع لم يكن ذلك مجرد سلوك همجي عابر، بل خطوة مدروسة ضمن خطتها الشاملة لإخضاع المدينة. فالميليشيا لا تقاتل الرجال في المتاريس، بل تستهدف النساء، الأطفال، والمرضى في البيوت والمستشفيات، عبر سلاح أكثر فتكاً من الرصاص: الحصار الاقتصادي والإبادة البطيئة.

وفي خضم هذا الواقع المرير، يبرز سؤال ملحّ وموجع: أين الدولة؟ وأين قادتها؟ وأين متحركاتها العسكرية والإنسانية؟

إن لم تكن هناك قدرة أو قرار بإرسال متحرك عسكري لفك الحصار عن المدينة، فليكن على الأقل هناك متحرك إنساني، مهمته الأساسية إيصال المؤن والمساعدات للمدنيين الذين يقاتلون مع الوقت من أجل البقاء. ولو بالقوة متحرك هدفه حماية قافلة حتى تصل الفاشر أطفال الفاشر لا يستطيعون أن ينتظروا وصول “متحرك الصياد”، فهم يموتون ببطء، وتحت أنظار الجميع.

يجب أن تكون هناك رؤية متكاملة واستجابة عاجلة من الدولة، والقوى السياسية، والمنظمات الوطنية والدولية. ما يحدث في الفاشر ليس مجرد معاناة موضعية، بل جزء من محاولة متعمدة لاقتلاع المدينة من جذورها، وتفريغها من سكانها، وتحويلها إلى رمز للانكسار والجوع، بعد أن صمدت في وجه العدوان.

نعم، الشباب في الفاشر بذلوا الغالي والنفيس في الدفاع عن تراب الوطن، لكنهم الآن بحاجة إلى من يقف معهم في معركة الحياة. لا يمكن أن نخذلهم بعد أن حملوا على أكتافهم عبء الدفاع، بينما نحن نكتفي بمراقبة أرقام الضحايا ومؤشرات السوق.

الفاشر لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن يُعامل شعبها بما يليق بتضحياته، وأن يُسمع صراخ الجوع الذي بدأ يعلو أكثر من صوت الرصاص.

فهل يتحرك الضمير، قبل أن تتكلم المجاعة بما لا يُقال؟