ضل الحراز: علي منصور حسب الله
بينما تتفرغ القوات المشتركة، التي تقدم الغالي والنفيس في سبيل حماية تراب الوطن وقطع خطوط الإمداد عن مليشيا الدعم السريع في قلب صحراء السودان الشمالية الغربية، ينشغل بعض المتفرغين في المدن المترفة بصياغة مبررات وذرائع لا تهدف إلا لتثبيط الهمم، وقتل الروح المعنوية، والطعن في وطنية من يقاتلون دفاعًا عن السودان.
ليتهم يستندون على حقائق ماثلة لكان وجدنا لهم الأعذار لكنهم يستندون على الظن ويعتقدون بأن حميدتي الذي كان مجرد كلب حراسة للبشير الآخرين مثله
ففي النقطة التي تلتقي فيها حدود السودان مع ليبيا، تشتعل نيران المواجهة. ويسقط شباب القوات المشتركة شهداء في ميادين الشرف، بينما يشتد الجدل العقيم في منصات التواصل وأروقة بعض النخب بين من يشككون في وطنية القوات المشتركة، بل ويصل الأمر بالبعض إلى وصفهم بالمرتزقة، في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظة سقوط بيزنطة، حين كانت جيوش السلطان محمد الفاتح تحاصر المدينة، بينما كان فقهاؤها ومنظروها يتجادلون في جنس الملائكة، وحجم إبليس!
التاريخ لا يرحم، واليوم تتكرر المأساة. فالمليشيا المدعومة من دول إقليمية تخطط وتتوسع باتجاه منطقة “مثلث جبل العوينات”، وهي منطقة صحراوية نائية لكنها شديدة الأهمية من النواحي الاستراتيجية والجغرافية. وقد تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة معركة مفتوحة بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، في صراع خرج عن طابعه الداخلي وبات يأخذ أبعادًا إقليمية ودولية تنذر بالخطر.
الرمال تزحف بثقلها نحو منطقة “الخناق”، التي تبعد عن مدينة دنقلا حوالي 80 كيلومترًا، وعن “الدبة” 73 كيلومترًا. وتشمل رقعة التصعيد “الراهب”، و”جبل العطرون”، و”جبل تقرو”، و”النخيل”، و”جبل كسو”، و”كرب التوم”، التي أعلنت المليشيا سيطرتها عليها في تحدٍ صارخ للسيادة الوطنية.
وتُعد “كرب التوم” منطقة استراتيجية بالغة الأهمية، إذ تقع على الطريق الرابط بين الولاية الشمالية وشمال دارفور، وتمر عبرها خطوط تربط السودان بالحدود الليبية والمصرية. وهي تتبع إداريًا للوحدة الإدارية “الواحات” التي تشمل “الراهب” و”النخيل”، ما يجعلها منطقة ذات قيمة استراتيجية عالية، وبالتالي فإن سقوطها أو التهاون في تأمينها يعني تعريض الشمال السوداني بأكمله، بما في ذلك ولايتا الشمالية ونهر النيل، للخطر.
وفي تلك الجبهة، أقامت المليشيا قاعدة عسكرية بالقرب من ما يُعرف بـ”قاعدة شيفروليه”، الأمر الذي قد يدفع لزيادة نشاط الطيران لصالح المليشيا لأن قاعدة الشيفروليه التي كانت اصلآ في السابق قاعدة للمليشيا في فترة النظام السابق ومع تصاعد حدة المعركة التي لم تعد هامشية أو نائية كما يظن بعض أصحاب الأقلام المترفة.
النقطة الثلاثية التي تلتقي فيها حدود ولايات شمال دارفور، الشمالية، وشمال كردفان، تقع شمال شرق جبل “تقرو” و”جبل كسو”، قُبالة المثلث الحدودي الليبي المصري السوداني. ومن هناك، تمتد السيطرة حتى “أم زرابي”، وتنفتح نحو الغرب على الوديان الثلاثة: “كركور حميد”، “كركور إدريس”، و”كركور إبراهيم”، وهي مناطق غنية بالموارد الجيولوجية وتشكل ممراً استراتيجياً، خاصة أن جزأها الشرقي يتكون من الحجر الرملي، ويمتد حتى “كركور طلح”، و”كركور مور”، وواحة “عين البرنس” المعروفة أيضًا بـ”بير مور”.
في خضم هذه التطورات الميدانية الحاسمة، تطفو على السطح حملات من التشويه والافتراء على القوات المشتركة. فتتزايد الإساءات العنصرية، ويظهر من يسعى لزرع بذور الفتنة بين الجيش والقوات التي تقاتل معه في خندق واحد. يظهر “شيبة ضرار”، الذي يُقدم نفسه في بعض الأحيان برتبة فريق، لينفث سمومه علنًا، مستغلًا منابر إعلامية تحميه وتحول بينه وبين المحاسبة.
وباسم الوطنية، يتطاول البعض على القوات المشتركة، متناسين أنها اليوم تمثل أحد خطوط الدفاع الأولى في وجه تمدد المليشيا. هذه الاتهامات المجانية تشكل خدمة مجانية لأعداء الوطن، وتفتح المجال أمام تآكل الثقة بين المكونات التي تخوض المعركة ضد مشروع تدميري يستهدف وحدة السودان وسلامة أراضيه.
الحروب الحديثة لا تُحسم فقط في الميدان. فالرأي العام سلاح مؤثر، قد يكون فتاكًا إن أُسيء استخدامه. ولهذا، تلجأ أطراف الصراع إلى تجنيد عملاء، أو ما يُعرف بـ”الوكلاء الإعلاميين“، لبث دعاية مغرضة، أو التلاعب بالمعلومات، أو حتى التحريض المباشر، بهدف ضرب الروح المعنوية وتفكيك الجبهة الداخلية. ويُخشى اليوم أن يصبح بعض المحسوبين على الوطنية أدوات لهذا النوع من الحرب الناعمة، دون وعي، أو بأسوأ الفروض، عن وعيٍ وتخطيط.
آخر الضل
إن تشويه صورة القوات المشتركة في هذه اللحظة المفصلية ليس سوى ضرب من ضروب الانتحار الوطني. فبينما يكتب البعض من مكاتبهم الباردة كلمات مسمومة، يسقط الجنود في الميدان شهداء، يذودون عن الوطن دون تمييز في الهوية أو الانتماء. والواجب اليوم ليس التشكيك أو التنمر أو إطلاق الصفات الزائفة، بل الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة الخطر الداهم، ودعم كل من يحمل السلاح تحت راية الدولة السودانية.