السودان في منتدى باكو للأمن حضور وطني في لحظة فارقة ورسالة أمنية لا بد أن تُسمععلي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

ضل الحراز

 

 

بقلم علي منصور حسب الله

 

في ظل تعقيدات المشهد السوداني وتشابكاته الإقليمية والدولية تأتي مشاركة السودان في منتدى باكو للأمن بأذربيجان كخطوة استراتيجية تعبّر عن وعي القيادة الأمنية بضرورة الانخراط الفاعل في المنصات الدولية المؤثرة ليس فقط لتوضيح المواقف السودانية بل أيضًا لتأطير الصراع القائم ضمن سياقاته الحقيقية بعيدًا عن التضليل الإعلامي والدعائي الذي تمارسه بعض الجهات التي تؤجج الحرب وتستثمر في معاناة الشعب السوداني فمنتدى باكو يُعد من أبرز المنصات الدولية في مجال الأمن والتعاون الاستخباراتي وينعقد هذا العام تحت عنوان بالغ الدلالة (دور التعاون الأمني المتبادل بين الأجهزة الأمنية في منع الأزمات الإنسانية خلال الهجمات الإرهابية والنزاعات المسلحة، والكوارث الإنسانية والبيئية والتكنولوجية)

وفي وقت يواجه فيه السودان واحدة من أخطر المراحل في تاريخه الحديث من حيث التهديدات الأمنية والإنسانية يُمثل هذا المنتدى فرصة نادرة لإيصال الرسائل السودانية عبر القنوات الرسمية الرفيعة ولفت انتباه العالم إلى أن ما يحدث في البلاد ليس (نزاعًا داخليًا تقليديًا) بل هو اعتداء ممنهج على الدولة ومؤسساتها من مليشيا مدعومة خارجيًا تعمل على تفكيك البلاد وتهديد الإقليم برمته وكان خطاب الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة أمام المشاركين في المنتدى خطاب دولة لا مجرد جهاز أمني لقد عكس الخطاب موقفًا وطنيًا راسخًا ومعلومات دقيقة وتحذيرًا استراتيجيًا للعالم من مغبة تجاهل ما يحدث في السودان فالمدير العام لم يتحدث بلغة العواطف بل قدم وقائع محددة تتمثل في استقدام مليشيا الدعم السريع لمرتزقة أجانب وتلقيهم دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً من جهات إقليمية ارتكابهم جرائم جسيمة شملت إطلاق سراح إرهابيين ومجرمين خطيرين من السجون تهديدهم المباشر للأمن الإقليمي والدولي من خلال تغذية الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وقد جاءت مطالبته بتصنيف المليشيا كجماعة إرهابية دولية كخطوة مطلوبة ومنسجمة تماماً مع القانون الدولي بل متأخرة إذا ما نظرنا إلى سجل هذه المليشيا في القتل والنهب والتجنيد القسري وتدمير البنية التحتية وانتهاك حقوق الإنسان ومن المهم هنا التوقف عند الدور الكبير الذي يقوم به جهاز المخابرات العامة السوداني في ظروف بالغة الصعوبة ففي ظل غياب الدولة المركزية عن بعض المناطق وانهيار المنظومة الإدارية بفعل الحرب برز الجهاز كـركيزة وطنية صلبة تحفظ تماسك الدولة وتتصدى للتهديدات الداخلية والخارجية

أما قيادة الفريق أول مفضل للجهاز اتسمت بالحكمة والانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي إلى جانب العمل المهني الهادئ والبعيد عن الشعارات السياسية والضوضاء الإعلامي وكانت مشاركته في منتدى باكو والرسائل التي وجهها من على منصته امتدادًا طبيعيًا لدور الجهاز في حماية السودان لا مجرد حضور بروتوكولي أو دبلوماسي وما حذّر منه الفريق مفضل ليس تهويلاً أو محاولة لكسب تعاطف دولي بل هو حقيقة ميدانية موثقة تتمثل في

وجود عناصر غير سودانية ضمن صفوف مليشيا الدعم السريع البعض منهم قادم من وراء البحار مثل كولومبيا والبعض الآخر من الصومال وكينيا ودولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا وسوريا واليمن

كذلك ارتباط هذه العناصر بشبكات تهريب السلاح والبشر والمخدرات وتورط المليشيا في تسهيل الإفراج عن إرهابيين محكومين وكل هذه الوقائع تشير إلى أن السودان أصبح ساحة حرب تمثل بؤرة توتر عابرة للحدود ما يفرض على المجتمع الدولي أن يراجع مواقفه المترددة ويتعامل مع مليشيا الدعم السريع كما تعامل مع (داعش) و(بوكو حرام) و(الشباب الصومالي) من خلال هذا المنتدى، وجّه السودان رسائل حاسمة يجب أن تؤخذ على محمل الجد. الرسالة الأهم: أن الصمت عن تمويل ودعم المليشيات يعادل المشاركة في جرائمها

ولذلك فإن أولى الخطوات المطلوبة من المجتمع الدولي هي

إدانة أي دعم مباشر أو غير مباشر للدعم السريع والضغط على الدول الراعية لها لوقف تمويلها وتسليحها مع إدراج المليشيا في قوائم الإرهاب الدولية وتوفير دعم تقني ولوجستي للحكومة السودانية لحماية المدنيين واستعادة السيطرة على كامل التراب الوطني لقد بات واضحًا من خلال كلمة الفريق مفضل ومشاركة السودان في منتدى باكو أن الأمن في السودان مرتبط بأمن المنطقة والعالم ولذلك فإن الجهود التي يبذلها جهاز المخابرات العامة بقيادة الفريق مفضل ليست مجرد دور محلي بل جزء من منظومة الأمن الدولي الذي يجب أن يُصان بالتعاون لا بالتجاهل أو المعايير المزدوجة وما نحتاجه اليوم هو إرادة دولية تستمع لما قاله السودان في باكو وتتحرك وفق مقتضيات العدالة والسلام الحقيقي أما السودان فكما عهدناه سيستمر في الدفاع عن أمنه واستقلاله حتى تعود رايات الدولة خفاقة على كامل ترابه