في ظل التوترات الدبلوماسية التي سيطرت على العلاقات السودانية التشادية خلال العام الماضي، جاءت تهنئة الرئيس التشادي، المشير محمد إدريس ديبي (كاكا)، للفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بمناسبة ذكرى استقلال السودان، كخطوة جديدة أثارت التكهنات حول إمكانية عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي.
تهنئة تحمل رسائل إيجابية:
أرسل الرئيس التشادي رسالة تهنئة إلى الفريق أول البرهان، عبّر فيها عن سعادته بالعلاقات الأخوية التي تربط الشعبين، مؤكداً استعداده لتعزيز التعاون بين البلدين والعمل من أجل تحقيق السلام الدائم بحسب صحيفة الوحدة التشادية. جاءت الرسالة في وقت تشهد فيه العلاقات بين الخرطوم وإنجمينا فتوراً غير مسبوق بسبب اتهامات متبادلة بشأن دعم مليشيا الدعم السريع.
الرئيس التشادي: نؤكد استعدانا لتعزيز التعاون بين البلدين والعمل من أجل تحقيق السلام الدائم
علاقات متجذرة رغم الأزمات:
تربط السودان وتشاد علاقات تاريخية وثيقة بفضل التداخل الإثني والاجتماعي على الحدود المشتركة، والتي تضم أكثر من 28 مجموعة عرقية. ورغم ذلك، شهدت العلاقات بينهما صعوداً وهبوطاً على مر السنين. وقد تعمّقت الأزمة مؤخرًا بسبب اتهام السودان لتشاد بالسماح باستخدام أراضيها لنقل الدعم العسكري لمليشيا الدعم السريع، وهو ما نفته تشاد بشدة.
أزمة حادة واتهامات متبادلة:
تصاعدت الأزمة بين البلدين بعد تقارير إعلامية دولية كشفت عن استخدام مطار ومستشفى في بلدة أم جرس التشادية كقاعدة لتقديم الدعم العسكري لقوات مليشيا الدعم السريع، تحت غطاء إنساني. ورغم نفي وزير الخارجية التشادي، محمد صالح النضيف، هذه الاتهامات، إلا أن العلاقات وصلت إلى مرحلة تبادل طرد الدبلوماسيين.
صحفي تشادي: رسالة ديبي تحمل دلالات إيجابية وتدعم عودة العلاقات بين السودان وتشاد
فتح قنوات اتصال جديدة:
و قال الصحفي التشادي طاهر زين أن رسالة الرئيس التشادي تفتح آفاقاً جديدة لاستئناف العلاقات بين السودان وتشاد، وأوضح في تصريح خاص لـ صحيفتي «الشارع السوداني» و «دارفور الآن» الى أن رسالة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان تشير إلى وجود رغبة حقيقية من الجانب التشادي لإعادة فتح قنوات الاتصال مع السودان، وهو ما يعكس تحولاً إيجابياً في موازين القوى بالمنطقة.
واعتبر هذه الخطوة إشارة إيجابية لتجاوز الخلافات القائمة بين البلدين. وأكد أن تأثير الرسالة يتجلى في تخفيف حدة التوتر وتعزيز الثقة المتبادلة، مما قد يمهد الطريق لاستئناف المحادثات التي بدأت في أبوجا بنيجيريا قبل أشهر.
و لفت الى أنه من المقرر أن تتوج هذه المحادثات بزيارة رسمية من الجانب السوداني إلى العاصمة التشادية أنجمينا لمناقشة القضايا العالقة، والإعلان عن عودة العلاقات بين البلدين، مع التأكيد على احترام سيادة وأمن كل طرف.
ورغم أن هذه الجهود لم تحقق تقدماً ملموساً حتى الآن، إلا أن الصحفي أرجع ذلك إلى إنشغال تشاد بحربها ضد المتمردين في منطقة بحيرة تشاد عقب الهجمات الأخيرة على الجيش التشادي، فضلاً عن بعض المواقف المثيرة للقلق التي عرقلت مسار المحادثات، مؤكداً أن استعادة العلاقات بين السودان وتشاد تتطلب إرادة سياسية قوية من كلا الطرفين، بما يعكس إلتزامهما بتجاوز الخلافات والعمل على بناء مستقبل مشترك يخدم مصالح البلدين الشقيقين.
مهتم بالشؤون الأفريقية: الزيارات الأخيرة للمسؤولين المصريين إلى تشاد تعكس رغبة القاهرة في لعب دور الوسيط لتعزيز التفاهم
دلالات إيجابية ورغبة في تخفيف التوتر:
صرّح الصحفي التشادي والمهتم بالشؤون الأفريقية، إسحق عبد الرحمن، لصحيفتي الشارع السوداني ودارفور الآن بأن العلاقات السودانية التشادية قائمة على روابط تاريخية واجتماعية عميقة تجعل من الصعب تأثرها بشكل جذري بالأزمات الراهنة، رغم التوتر الناتج عن دعم تشاد لبعض الأطراف المتورطة في النزاع.
وأوضح إسحق أن رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمناسبة عيد الاستقلال تحمل دلالات إيجابية، وتشير إلى رغبة تشاد في تخفيف التوتر والحفاظ على قنوات الحوار بين البلدين الشقيقين.
إسحق عبدالرحمن صحفي تشادي ومهتم بالشؤون الأفريقية
تجاني سيسي: إصلاح العلاقات يقتضي وقف هذا (..) التدفق واحترام مبادئ حسن الجوار
وأشار إلى وجود عوامل عدة تدعم إمكانية عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، من أبرزها التداخل القبلي والاجتماعي، بالإضافة إلى الدور المحوري الذي تلعبه القبيلة والهياكل الاجتماعية في المنطقة، مما يجعل استمرار السياسات الخاطئة وغير الرسمية من الجانب التشادي أمراً غير مستدام.
وأكد إسحق أن الضغوط الدولية المتزايدة تُشكل عنصراً مهماً في تغيير المواقف، خاصة مع التحركات الإقليمية التي تدفع نحو الاستقرار، مثل التقارب الأخير بين الرئيس البرهان ونظيره في جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستين تواديرا. وأوضح أن لقاءاً كان مقرراً بين ديبي وتواديرا في العاصمة بانغي الشهر الماضي لبحث ذات الموضوع، إلا أنه أُلغي لأسباب أمنية.
كما نوه إسحق إلى الدور البارز الذي تلعبه التحركات الدبلوماسية المصرية في تقريب وجهات النظر بين السودان وتشاد، مشيراً إلى أن الزيارات الأخيرة للمسؤولين المصريين إلى تشاد تعكس رغبة القاهرة في لعب دور الوسيط لتعزيز التفاهم وضمان التزام تشاد بسياسات داعمة للاستقرار في السودان.
الدكتور تجاني سيسي رئيس قوى الحراك الوطني
عودة مشروطة:
أكد الدكتور تجاني سيسي رئيس قوى الحراك الوطني أن عودة العلاقات بين السودان وتشاد إلى طبيعتها تتطلب خطوات ملموسة تترجم الأقوال إلى أفعال. وقال في تصريح خاص لـ صحيفتي «الشارع السوداني» و«دارفور الآن» إن العلاقات بين البلدين كانت متينة في السابق، لكنها توترت عندما سمحت تشاد باستخدام مطار أم جرس لنقل السلاح والعتاد لقوات مليشيا الدعم السريع، مشددًا على أن إصلاح العلاقات يقتضي وقف هذا التدفق واحترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان.
وأضاف الدكتور تجاني سيسي: “نحن نؤيد عودة العلاقات الطيبة مع تشاد، خاصة في ظل القواسم المشتركة التي تجمع البلدين. ونأمل أن يكون الرئيس محمد إدريس ديبي (كاكا) قد تراجع عن دعمه للمليشيات، لأن استمرار هذا الموقف قد يُحدث تداعيات خطيرة على الأمن التشادي، الذي أثبتت الوقائع التاريخية أنه يتأثر بما يجري في السودان، سلبًا أو إيجابًا”. مطالباً محمد كاكا بطرح رؤية للخروج ترتكز على قفل مطار ام جرس ومدخل أدري ليتوقف قتل الشعب السوداني.
وزير الخارجية: سياسة السودان الخارجية تستند إلى “تصفير عدادات الخلافات” وتعزيز التعاون مع دول الجوار لما فيه مصلحة شعوب المنطقة.
الدكتور علي يوسف الشريف وزير الخارجية السوداني
مراجعة العلاقات الخارجية السودانية:
من جهته، أعلن وزير الخارجية السوداني، د. علي يوسف الشريف، إستعداد الحكومة السودانية لمراجعة علاقاتها مع الدول التي إتخذت مواقف عدائية تجاه السودان، مؤكداً أن الأولوية هي تعزيز التعاون مع دول الجوار.
و أكد الوزير ، في تصريح خاص لصحيفتي الشارع السوداني ودارفور الآن، أن الهدف الأول منذ توليه مهام الوزارة كان تحسين علاقات السودان الخارجية وتطويرها، لا سيما مع دول الجوار. وقال: “وجدنا تجاوباً من قيادة الدولة، وبدأنا العمل فوراً في هذا الاتجاه. و كانت تشاد من الدول التي وضعناها في الاعتبار، حيث التقينا بوزير خارجيتها على هامش مؤتمر القمة العربية بالرياض، وناقشنا تطوير علاقات حسن الجوار واحترام السيادة المتبادلة، وكانت البداية جيدة”.
وأضاف الوزير أن التطورات التي حدثت لاحقاً، خاصة التدخل الإماراتي في دعم مليشيا الدعم السريع عبر مطار أم جرس التشادي واستخدام الطائرات المسيرة من داخل الأراضي التشادية، عطلت التحرك في هذا الملف، لكنه شدد على استعداد السودان لمراجعة جميع علاقاته مع الدول التي اتخذت مواقف عدائية تجاهه.
وعن العلاقات مع دول أخرى، أوضح الوزير أنه التقى بوزير الخارجية الإثيوبي وناقش معه ملفات العلاقات الثنائية، مما أسفر عن تفاهمات واتصالات ودية. كما أجرى لقاءات إيجابية مع نظيره الكيني في رواندا، وتم توجيه دعوة رسمية له لزيارة السودان.
ووصف الوزير العلاقة مع إريتريا بأنها “متميزة”، مشيراً إلى أن رئيس مجلس السيادة يعزز هذه العلاقات، في حين أكد أن العلاقات مع جنوب السودان “طيبة”. كما كشف عن اتصالات مستمرة مع جمهورية إفريقيا الوسطى لتطوير التعاون.
واختتم الوزير تصريحه بالتأكيد على أن سياسة السودان الخارجية تستند إلى “تصفير عدادات الخلافات” وتعزيز التعاون مع دول الجوار لما فيه مصلحة شعوب المنطقة.
تطلعات لمستقبل مشترك:
رغم الأزمات الحالية، هناك إشارات واضحة على إمكانية عودة العلاقات السودانية التشادية إلى طبيعتها، خاصة في ظل الجهود الإقليمية والدولية لتعزيز الاستقرار في المنطقة. ومع استمرار التحركات الدبلوماسية، يبقى الأمل معقوداً على إرادة سياسية قوية من كلا الجانبين لتجاوز الماضي والعمل من أجل مستقبل يخدم مصالح الشعبين.