الدكتور هارون سليمان الأكاديمي والمؤرخ في حوار مع الشارع السوداني(1-4)

في عالم تزدحم فيه التحديات السياسية والاجتماعية، تبرز القضايا المتعلقة بالهوية، الأرض، والموارد كأحد أهم محاور النزاع والتنمية. يشكل الحوار مع الدكتور هارون سليمان يوسف (هري أبوقِري) ، الأكاديمي والمؤرخ والباحث المتخصص في دراسات النزاع والتنمية، فرصة لاستكشاف قضايا شائكة تمتد جذورها في أعماق التاريخ والجغرافيا. من خلال تسليط الضوء على منطقة “الزُرق” في شمال دارفور غربي السودان، نتناول في هذا اللقاء أبعادًا متعددة تشمل التاريخ، الهوية الثقافية، الموارد الطبيعية، والنظم التقليدية التي شكلت نسيج الحياة في دارفور. الدكتور هارون، الذي أثرى الساحة العلمية بكتبه وأبحاثه، يقدم رؤيته العميقة حول قضايا الأرض والنزاعات الإقليمية، مسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه المجتمعات الأصلية وأهمية الحفاظ على الموروث الثقافي في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية.

 

فإلى مضابط الحوار:

 

حاوره – عبدالعظيم البشرى

 

 

 

نبذة تعريفية عن الدكتور هارون سليمان يوسف؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أشكر صحيفة دارفور الآن على هذه الاستضافة. اسمي هارون سليمان يوسف جري، ولدت في ضاحية قطعت بمحلية كرنوي عام 1970. بدأت تعليمي في مدارس كرنوي الابتدائية والمتوسطة، ثم انتقلت إلى مدرسة دارفور الثانوية. بعد ذلك التحقت بجامعة أم درمان الأهلية حيث درست في كلية الآداب، ثم حصلت على دبلوم عالي في دراسات السلام والتنمية من جامعة جوبا. أكملت دراساتي العليا وحصلت على درجة الماجستير في نفس التخصص من جامعة جوبا، ودرجة الدكتوراه في دراسات النزاع والتنمية من جامعة بحري.

 

منطقة “الزُرق” كان اسمها الأصلي “حاء ميه”، وهو اسم يحمل دلالة لغوية محلية

 

عملت في المملكة العربية السعودية كمحاسب ومسؤول للموارد البشرية في مطابع الجزيرة، ثم مديرًا ماليًا وإداريًا بشركة المطابع الوطنية الحديثة. ألفت كتابًا بعنوان “الزغاوة التاريخ والتراث (1900-2000)”، وهناك كتب أخرى قيد الإعداد مثل “الديمقراطية مفتاح السلام والتنمية” و”التدخل الدولي الإنساني: دراسة حالة دارفور”، بالإضافة إلى “التخطيط الإقليمي ودوره في إحداث التنمية المتوازنة” و”الأرض والنزاع في السودان”. كما كتبت مقالات وأوراقًا بحثية، من أبرزها “حقوق اللاجئين والنازحين وشروط العودة في القانون الدولي” و”العدالة الانتقالية”.

 

الزُق تُعد جزءًا من حكورة الزغاوة، وهي منطقة تقليدية تتبع للزغاوة تاريخيًا.

ماهو الاسم الحقيقي لمنطقة الزُرق وأين تقع؟

 

منطقة زُوق تقع في أقصى شمال غرب السودان بولاية شمال دارفور، ضمن محلية أمبرو، وتتبع إداريًا لإدارة مثبت. تبعد عن بورتسودان حوالي 1780 كيلومترًا تقريبًا. كان اسمها الأصلي “حاء ميه”، وهو اسم يحمل دلالة لغوية محلية. يتكون الاسم من جزأين: “حا” بمعنى الجبل أو الحجر، و”ميه” بمعنى الأسود بلغة الزغاوة، ما يعني “الأحجار السوداء” أو “الجبل الأسود”، وذلك نسبةً إلى وجود أحجار سوداء مميزة في المنطقة.

 

ما هي الأسباب التي أدت إلى إحتلال المنطقة؟

 

في التاسع عشر من مارس عام 2017، تعرضت المنطقة للاحتلال من قبل قوات الدعم السريع التي دخلت بقوة كبيرة وفرضت سيطرتها على المنطقة. تم توطين مجموعات من السكان القادمين من دول الجوار ومن الرحل الذين كانوا يعيشون سابقًا في مناطق أخرى داخل دارفور. أقام المستوطنون منشآت في المنطقة، منها مزرعة كبيرة في وادي المغرب. الزُرق تُعد جزءًا من حكورة الزغاوة، وهي منطقة تقليدية تتبع للزغاوة تاريخيًا.

 

هناك فرق بين الدار القبلية والحاكورة؛ فالدار القبلية هي الموطن الأصلي للقبيلة وتوثق من قبل السلاطين والممالك التي مرت على المنطقة، بينما الحاكورة تشير إلى أراضٍ تُمنح من السلاطين لأفراد أو جماعات لاستخدامها في السكن أو الزراعة أو الرعي، ويتم ذلك بوثائق سلطانية. زُوق تقع في أقصى شرق دار الزغاوة وتُعد جزءًا من حاكورة الزغاوة، إلا أن الاحتلال الأخير وتغيير التركيبة السكانية أثرا على الوضع القائم في المنطقة.

 

الاحتلال الأخير وتغيير التركيبة السكانية أثرا على الوضع القائم في المنطقة

هل قدمت المجتمعات الأصلية بالمنطقة أي احتجاجات للسلطات الحكومية؟

 

الإدارات الأهلية لقبائل الزغاوة قدمت احتجاجًا رسميًا إلى محلية أمبرو ووالي ولاية شمال دارفور في ذلك الوقت، بالإضافة إلى البرلمان القومي ورئاسة الجمهورية، تنديدًا بالاحتلال وتغيير اسم المنطقة. رغم ذلك، دعمت الدولة المجموعات التي تم توطينها في المنطقة، ما زاد من تعقيد الوضع.

 

كيف يتم تنظيم حياة المجتمعات والقبائل في دارفور؟

 

في دارفور، حياة القبائل والمجتمعات تُنظم عبر ثلاثة أطر رئيسية هي الأرض التي تمثل الإطار الجغرافي، الإدارة التقليدية أو الأهلية التي تشرف على إدارة شؤون القبائل، والأعراف الاجتماعية والنظم الإدارية التي تضمن التعايش السلمي. هذه المؤسسات ساهمت بشكل كبير في تنظيم العلاقات بين القبائل وضمان التعايش السلمي، إذ تحترم القبائل التي تنتقل من موطنها الأصلي إلى منطقة أخرى الإدارة الأهلية للمناطق التي تستضيفها وتلتزم بأعرافها، ما يعزز الاستقرار ويحد من النزاعات.

 

الاحتلال الأخير وتغيير التركيبة السكانية أثرا على الوضع القائم في المنطقة

 

لماذا تعتبر منطقة الزُرق ذات أهمية إستراتيجية؟

 

منطقة الزُوق تُعد واحدة من المواقع الإستراتيجية في أقصى شمال السودان، إذ تمثل نافذة لثلاث دول: تشاد على بعد 150 كيلومترًا، ليبيا، ومصر. تُعرف هذه المنطقة بأنها مكان تجمع مياه وادي هور الذي يتشكل من 230 رافدًا، منها 63 تأتي من تشاد و167 من داخل السودان، ما يجعل الزروق نقطة التقاء رئيسية لهذه الأودية.

 

الدراسات التي أجرتها جامعة كولون الألمانية أكدت وجود ثروات طبيعية هائلة في المنطقة، تشمل الحديد، اليورانيوم، الرخام، والحجر الجيري. إلى جانب ذلك، توجد مجموعة من الواحات مثل واحة العطرون وواحة النخيلة شمال المنطقة، ما يزيد من أهميتها الجغرافية. تتمتع الزروق أيضًا بمراعي طبيعية واسعة تُستخدم لتربية الماشية وتصديرها إلى مختلف الاتجاهات، كما تمر عبرها الطرق المؤدية إلى ليبيا ومناطق أخرى.

 

في دارفور، حياة القبائل والمجتمعات تُنظم عبر ثلاثة أطر رئيسية هي الأرض التي تمثل الإطار الجغرافي

ما هي الموارد الطبيعية الموجودة بالمنطقة؟

 

تحتوي المنطقة على موارد مائية غنية بالمياه الجوفية التي تتوافر بكميات كبيرة، ما يعزز قيمتها الزراعية والرعوية. ومن أبرز المواقع المائية في المنطقة آبار منتشرة شمال الزروق مثل بير مرجي ضمن مجرى وادي هور، بالإضافة إلى عدد من الآبار مثل دونكي شلة، ودونكي حوش جنوب المنطقة، وآبار أخرى في الاتجاه الغربي.

 

هذه (…) الموارد جعلت الزُرق محط أنظار واستهداف العديد من الأطراف التي تطمع في استغلال ثرواتها.

 

إلى جانب الموارد الطبيعية، تحتوي المنطقة على حوض وادي هور النفطي، وهو جزء من مربع 12 النفطي، ما يزيد من أهميتها الاقتصادية. هذه الموارد جعلت الزُوق محط أنظار واستهداف العديد من الأطراف التي تطمع في استغلال ثرواتها.

 

الدراسات التي أجرتها جامعة كولون الألمانية أكدت وجود ثروات طبيعية هائلة في المنطقة

 

لما تم تغيير أسماء المئات من المناطق؟

 

تغيير الأسماء في إطار سياسات التعريب أو لأسباب سياسية يحمل دلالات خطيرة. فهو ليس مجرد تغيير شكلي، بل هو محاولة لإلغاء الاعتراف بثقافات المجموعات المحلية وتهميشها. هذا السلوك يُعد تهديدًا للتاريخ والهوية الثقافية، حيث أن حتى القوى الاستعمارية مثل الإنجليز والأتراك حافظت على الأسماء المحلية احترامًا للموروث الثقافي للشعوب.

 

تغيير أسماء المناطق يؤثر بشكل كبير على الهوية الثقافية للسكان

ماهو تأثير هذا التغيير على المجتمعات الأصلية؟

 

تغيير أسماء المناطق يؤثر بشكل كبير على الهوية الثقافية للسكان. فالأسماء القديمة تحمل دلالات تراثية وثقافية تعبر عن تاريخ وخصوصية المجموعات السكانية التي تسكن تلك المناطق. تغيير هذه الأسماء بشكل قسري يُعتبر محاولة لطمس الهوية الثقافية وسلب الخصوصية التاريخية. الأسماء تعكس ارتباطًا وثيقًا بالمكان وثقافته، وأي محاولة لتغييرها تعني تجاهل التراث المحلي والموروث الشعبي لهذه المجتمعات.