الإمارات… حين يعظ المستبد عن الشرعية والديمقراطية

ضل الحراز: بقلم علي منصور حسب الله

 

في لحظة من المفارقات السوداء، خرجت علينا وزارة الخارجية الإماراتية ببيان أقلّ ما يمكن وصفه بأنه استعلائي، متغطرس، ومشين في لغته ومحتواه. بيان يفضح ازدواجية المعايير، ويُظهر بوضوح كيف يمكن لنظام لم يعرف الديمقراطية يوماً، ولم يذق طعم الانتخابات أو التداول السلمي للسلطة، أن ينصب نفسه وصياً على شعوب صنعت تاريخها بدمائها، وكتبت حاضرها بثوراتها، وأعلنت مستقبلها بإرادتها.

 

 

أن تتحدث الإمارات عن “الشرعية” و”تمثيل الشعب”، فهذه نكتة سياسية لا تضحك، بل تثير الغثيان. فهل من يجهل ما تعنيه صناديق الاقتراع، ويخشى حتى المجالس البلدية المنتخبة، يمكنه أن يُحدد من يمثل الشعب السوداني؟ الإمارات التي لم تُنجز في تاريخها دستوراً حقيقياً يقرره الشعب، ولا تعرف تعددية سياسية، ولم تسمح يوماً لأبنائها بحرية تكوين حزب أو رفع لافتة احتجاج، تعطي نفسها الحق لتُصنف من “يمثل” السودان ومن لا يمثله؟

 

 

إن من الهوان السياسي أن تُصدر الإمارات بياناً يتحدث عن “قيادة تقتل شعبها” وهي التي دعمت انقلابيين، ومولت حروباً بالوكالة، وتدخلت في شؤون دول عربية عدة لتجهض تحولات ديمقراطية وليدة. الإمارات التي تحوّلت إلى كفيل إقليمي للثورات المضادة، لا يحق لها أن تعظ الشعب السوداني، صاحب ثلاث ثورات، أطاح فيها دكتاتوريات عسكرية ومدنية، وقدّم فيها أغلى ما يملك، من دماء الشهداء إلى سنين الجوع والنزوح والملاحقة.

 

 

ثم إن الشعب السوداني – الذي شارك أبناؤه في بناء الإمارات وتطويرها في التعليم والطب والإدارة والهندسة – لا يحتاج دروساً في الوطنية من نظام لا يزال يُدار بمنطق العائلة، ولا يتنفس فيه المواطن إلا بإذن “الشيخ”، ولا تُنشر فيه مقالة رأي إلا بعد إذعان للمراقب الأمني. فهل من العدالة، بل من المنطق، أن تعظ أسرةٌ تتحكم بثروات الدولة كما تتحكم بملكيتها الخاصة، شعباً ظل يصارع من أجل دولة مدنية تحترم مواطنيها، وتُحاسب حكامها؟

 

 

أين كانت هذه الغيرة الإماراتية على الشعب السوداني حين كانت طائرات الدعم تُرسل لتغذية الحرب؟ وأين كانت هذه المشاعر النبيلة حين كانت أبوظبي تحتضن أمراء الدم من مليشيا الدعم السريع والمرتزقة عابري القارات ، ممن تقدم لهم الملاذات والمنافع؟ لقد آن للأقنعة أن تسقط، وللغة الاستعلاء أن تنكسر. السودان ليس دولة تحت الوصاية، ولا الشعب السوداني قطيعاً يقاد من الخليج.

 

 

ختاماً، إذا كانت الإمارات حقاً تحترم الشعب السوداني، فلتكفّ عن التدخل في شؤونه، ولتدعمه في بناء نظام مدني ديمقراطي حقيقي، بدلاً من دعم القتلة وشراء الولاءات. فالشعوب لا تُدار بالبيانات، ولا تُخدع بالأموال، ولا تُقهر إلا حين تصمت. والسودان – رغم جراحه – لن يصمت بعد الآن.