دم محمد وضاء .. وصمت السفارة السودانية في الهند!علي منصور حسب الله - صحفي وكاتب

ضل الحراز: علي منصور حسب الله

 

 

 

في واحدة من أبشع الجرائم التي اهتز لها ضمير كل إنسان حر، قُتل الطالب السوداني محمد وضاء بله يوسف (24 عاماً) في مدينة فاجوارا شمال الهند، بعد أن تصدى بشجاعة لمحاولة تحرش جماعي استهدفت مجموعة من الطالبات السودانيات، ارتكبها ستة شبان هنود.

 

 

محمد، الذي كان عائداً من صلاة الفجر برفقة ابن خالته وصديقه أحمد عربي، لم يتردد لحظة في الوقوف في وجه المعتدين دفاعاً عن شرف بنات وطنه، فدفع حياته ثمناً لهذا الموقف النبيل، بينما لا يزال أحمد يصارع الموت إثر إصابته بنزيف حاد.

كان محمد وضاء طالباً بكلية الصيدلة في جامعة لوفلي بروفيشنال يونيفيرسيتي الواقعة في إقليم البنجاب، وتحديداً في محيط سوق فاجوارا. كان في سنته الرابعة، وقد تبقى له شهران فقط على التخرج. لكن الأقدار اختارت له مصيراً آخر، حين غدر به أولئك الأشرار الهنود وكأنهم يمثلون مشهداً دموياً من أحد أفلام الأكشن، تحديداً فيلم “رهان” الشهير الذي صدر عام 1994، والذي يحكي عن الانتقام بعد اغتصاب وقتل امرأة بريئة، وتواطؤ القانون مع المجرمين.

 

 

للأسف، لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها. فقد سبقتها عدة حوادث قتل واعتداء تعرض لها سودانيون في الهند، دون أن تجد طريقها إلى العدالة. هذا الواقع يكشف عن عنصرية صريحة ضد الأفارقة في الهند، تتغذى من تراكمات اجتماعية وسياسات تغض الطرف عن الجرائم ضد الأجانب، بل وتوفر غطاءً غير مباشر لمرتكبيها.

 

 

تم إلقاء القبض على الجناة الستة بعد ساعات في ولاية هيماشال براديش، لكن الشكوك تحيط بجدية الإجراءات القضائية. فكما في حوادث سابقة، قد يُطلق سراحهم دون عقاب حقيقي، فقط لأن الضحية “أفريقي”، في بلد لا ترى كثير من مؤسساته أن لدماء الغرباء وزناً يُعتد به.

 

 

المؤلم أكثر من الجريمة نفسها هو صمت السفارة السودانية في الهند، منذ البداية واخيرا سجل احد الموظفين زيارة خجولة ليطالب بتنفيذ العدالة صمت من قبل السفارة الذي يصل حد التواطؤ. لم تصدر السفارة بياناً، ولم توفد مندوباً، ولم تقدم دعماً قانونياً أو معنوياً لعائلة الشهيد أو صديقه المصاب. لم يكن ذلك تقصيراً عارضاً، بل استمراراً لنهج بيروقراطي بارد تجاه المواطنين السودانيين بالخارج، خصوصاً في حالات الطوارئ والكوارث.

هل مهمة السفارة فقط رفع العلم السوداني في المناسبات الوطنية؟ هل يتقاضى العاملون فيها رواتبهم من الدولة دون أن يؤدوا أبسط واجباتهم تجاه مواطنين يُقتلون بدم بارد؟!

السفارة فشلت في القيام بواجبها الأخلاقي والدبلوماسي والإنساني، وآن الأوان لمحاسبة القائمين عليها، واستبدالهم بأشخاص يحملون حساً وطنياً حقيقياً، ويضعون مصلحة السوداني فوق كل اعتبار.

 

 

محمد وضاء لم يكن مجرد ضحية، بل كان رمزاً للرجولة والبطولة. شاب خرج من وطنه طلباً للعلم، فوجد نفسه في موقف اختار فيه أن يكون حراً كريماً، مدافعاً عن أخواته، فارتقى شهيداً. لا نرثي محمد وضاء فقط، بل نرفع اسمه رايةً في وجه كل من يريد أن يحني رؤوسنا في الغربة.

الهند اليوم ليست بلداً آمناً للطلاب والمرضى والتجار السودانيين. والحكومة الهندية مطالبة بمحاسبة الجناة محاسبة حقيقية وعلنية. على المجتمع الدولي أيضاً أن يسلط الضوء على هذه الجرائم العنصرية المتكررة التي تهدد أرواح آلاف الأفارقة المقيمين في الهند.

واجبنا تجاه محمد وضاء ألا نصمت

علينا، نحن السودانيين، أن نحفظ لمحمد وضاء حقه، وأن نطالب الدولة بموقف واضح، ومحاسبة السفارة وكل من قصّر في واجبه. كرامتنا في الخارج لا يجب أن تكون سلعة، ودم أبنائنا لا يجب أن يُهدر بلا ثمن.

العدالة لمحمد وضاء .

الكرامة لكل سوداني.

والمحاسبة لكل مقصر.