في سياق التعديلات المقترحة على قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م

ضل الحراز:  علي منصور حسب الله 

 

 

أقامت وزارة الثقافة والإعلام ورشة نقاشية لبحث سبل تعديل القانون المذكور. وقد لفت انتباهي ما قاله الدكتور عبد العظيم نور الدين، مقدم ورقة (الموازنة التشريعية بين حرية الصحافة وحماية الأمن القومي وصيانة قيم المجتمع) . حيث صرّح صراحة أنه حينما كان عضوًا باتحاد الصحفيين، كان من أبرز الداعين إلى أن تكون سجلات الصحفيين تحت مظلة الاتحاد إلا أنه وبعد أن أصبح عضوًا في المجلس القومي للصحافة والمطبوعات تحوّل موقفه 180 درجة، وأصبح من المطالبين بإيلولة السجل إلى المجلس

للأسف، كثير من القوانين المنظمة للمهن في بلادنا تُصاغ بهذه الطريقة؛ إذ يرتكز البعض في مواقفهم على مصالحهم الشخصية أو على موقعهم من الهيئات المختلفة، لا على أسس مهنية أو مبدئية. ولهذا، فإن صياغة أي قانون ينبغي أن تُسند إلى مختصين من الوسط القانوني من محامين، ووكلاء نيابة، وقضاة ممن ليست لهم صلة مباشرة بالصحافة ولا مصلحة ذاتية في الأمر، وذلك لضمان خلو القانون من الأهواء الشخصية والتجاذبات الفئوية

وفيما يتعلق بقانون 2009، فإنه يعاني من عدد من النواقص الجوهرية، أبرزها:

غياب إطار قانوني واضح ينظم النشر الإلكتروني.

عدم وجود سياسة واضحة للدولة تجاه الإعلام الرقمي.

استثناء منصات النشر الإلكتروني من أحكام قانون مجلس الصحافة والمطبوعات، خاصة فيما يتعلق بالترخيص والتسجيل والمساءلة.

صحيح أن البعض نادى بضرورة إشراك الصحفيين في صياغة القوانين التي تنظم مهنتهم، وتوسيع دورهم في عضوية المجلس لضمان الشفافية والمراقبة المجتمعية، مثل تقديم تقارير سنوية عن أداء المجلس، مما يخلق توازنًا بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن القومي. لكنني لا أرى ضرورة لتوسيع المجلس من حيث العضوية، فالمسألة تتعلق أساسًا بفعالية القوانين وتنفيذها. وجود شخصيات مهنية وحيادية مثل الأستاذ عمر طيفور، بما يملكه من خبرة طويلة وتعامل عادل مع الجميع، هو الضامن الحقيقي لتطبيق القوانين والتشريعات بشكل صارم وعادل، دون تعسف أو انتقائية.

من هنا، فإنني أرى أهمية الإبقاء على قانون 2009 مع إدخال تعديلات محددة تواكب التطور الرقمي وتنظم النشر الإلكتروني. فهذا القانون يُعد من أفضل القوانين التي وُضعت لتنظيم الصحافة في تاريخ السودان، لكنه يعاني من ضعف التطبيق، وقصور في مواكبة التطور التقني والتحول الرقمي في الإعلام.

أما فيما يخص حماية الصحفيين من القضايا المتعلقة بالنشر، فرغم وجود المادة (25) التي تتناول هذا الأمر، فإن صياغتها الحالية ضعيفة ولا توفر حماية حقيقية، مما يتطلب إعادة صياغة فقراتها بشكل محكم يضمن الحماية الفعلية للصحفيين.

ولا يجب أن يُرمى هذا القانون في سلة المهملات بحثًا عن قانون جديد، قد تُفرض فيه اعتبارات المصلحة الشخصية لدى بعض الأطراف. المطلوب ببساطة هو معالجة أوجه القصور دون المساس بجوهر القانون.

أما حول انتهاء فترة ولاية المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين يستوجب من الإخوة في الاتحاد المسارعة إلى عقد جمعية عمومية عادية لانتخاب مكتب تنفيذي جديد، بما يضمن استمرار العمل المؤسسي ويحول دون ظهور أجسام وروابط موازية، يغلب على بعضها الطابع السياسي أو تغلّفها الولاءات الشخصية والشلليات، ما أدى إلى خلق كثير من الانقسامات وسط الجسم الصحفي.

ولا بد من التذكير بأن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين هو عضو كامل العضوية في الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، وهو أكبر اتحاد نقابي دولي للصحفيين. وقد نال الاتحاد السوداني هذه العضوية بناءً على معايير واضحة، تتيح له الاستفادة من امتيازات مثل صندوق سلامة الصحفيين الذي تأسس في يناير 1992، وهو الصندوق الدولي الوحيد الذي يقدم دعمًا ماليًا مباشرًا للصحفيين الأفراد.

لذلك، فإن أي محاولة للنيل من معايير الاتحاد أو تقليص صلاحياته لا تخدم الصحفيين ولا الوطن. كما أن أي مساس بصلاحيات المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، خصوصًا في ما يتعلق بتنظيم وإصدار التصاديق للمنصات الإعلامية بمختلف أنواعها، قد يفتح الباب أمام فوضى إعلامية يصعب السيطرة عليها لاحقًا.

ختامًا، نؤكد على ضرورة:

الإبقاء على قانون 2009 كأساس قانوني مع إدخال تعديلات تقنية وتنظيمية محددة.

إعادة صياغة المواد المتعلقة بحماية الصحفيين.

تنظيم النشر الإلكتروني بوضوح ضمن القانون.

التمسك بعضوية السودان الكاملة في الاتحاد الدولي للصحفيين وصون معاييرها.

رفض تعدد الأجسام الصحفية الموازية لضمان وحدة الصف المهني.