ضل الحراز : علي منصور حسب الله
إلى الدكتور كامل إدريس،
أكتب إليك وأنت على مشارف تشكيل حكومتك القادمة، والمُرتقبة من جماهير الشعب بكل أطيافه، بكامل الصلاحيات السياسية والتنفيذية، أجد من واجبي كمواطن حريص على مستقبل الوطن واستقراره ونهضته، أن أضع أمامك بعض الرؤى الصادقة الخالصة لوجه المصلحة العامة، آملاً أن تجد طريقها إلى طاولة القرار.
من بين الوزارات الحيوية التي ينبغي أن تحظى بعناية خاصة واختيار دقيق، تأتي وزارة الصحة في طليعة الأولويات. فالصحة ليست مجرد قطاع خدمي، بل هي ركيزة أساسية في بناء الاستقرار المجتمعي وضمان الأمن الإنساني، لا سيما في ظل الظروف التي تمر بها البلاد بعد الحرب وما خلّفته من دمار هائل في البنية التحتية، وعلى رأسها المرافق الصحية.
لسنوات طويلة، نُظر إلى وزارة الصحة على أنها مقعد بيروقراطي يُشغل غالباً بشخصيات لا تضع معاناة المواطنين في قلب أولوياتها. لكن هذا تغيّر ولو لفترة قصيرة حين تسلم الدكتور هيثم محمد إبراهيم زمام الوزارة.
لقد أثبت الدكتور هيثم خلال توليه للوزارة في واحدة من أكثر الفترات قسوة وتعقيداً في تاريخ السودان الحديث أنه ليس مجرد إداري، بل قائد ميداني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم تكن الحرب مجرد خلفية سياسية لعمله، بل كانت واقعاً يومياً يعيشه وهو يركض من ولاية إلى أخرى، متحدياً الانفلات الأمني وشح الموارد واستهداف المنشآت الصحية من قبل الميليشيات، وعلى رأسها مليشيا الجنجويد.
نجاحات الوزير في فترته السابقة لم تأتِ من فراغ، بل من رؤية واضحة وشجاعة تنفيذية نادرة:
الاستجابة السريعة للأزمات: كان أول من يصل إلى المناطق المحررة لترميم المستشفيات والمراكز الصحية وإعادة تشغيلها، مما ساهم في تقليل معاناة المواطنين وتوفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
توفير البدائل رغم الحصار: واجه نقص الأدوية والمستلزمات الطبية بحلول مبتكرة، وتعاون مع المنظمات الإنسانية لتوفير الدعم الطارئ، دون أن يدخل في جدالات أو يتذرع بالعقبات. اختار العمل بصمت، وترك أثرًا.
الاهتمام بالكادر الطبي: عمل على إعادة هيكلة وضع الأطباء والممرضين في المناطق المتأثرة، وحرص على تأمين بيئة العمل لهم، رغم الإمكانيات المحدودة.
الحفاظ على المؤسسات في ظل الاستهداف: ورغم أن المستشفيات ومراكز العلاج كانت أهدافًا مباشرة للعدوان، ظل الدكتور هيثم يعمل على صيانتها أو نقل خدماتها لمواقع بديلة، دون أن ينهار النظام الصحي بشكل كامل.
إننا لا نزكي أحدًا على الوطن، لكننا نقرأ التجربة بعيون الواقع. والدكتور هيثم محمد إبراهيم قدم نموذجًا لما يجب أن يكون عليه الوزير في الدولة المدنية الحديثة: وزير ميداني، تكنوقراطي، مستقل القرار، لا يركن للتبرير، ولا يغيب عن ساحات العطاء.
لهذا، فإن إعادة تعيينه على رأس وزارة الصحة لن تكون تكرارًا، بل استثمارًا في الكفاءة والخبرة المتراكمة، وتتويجًا لمنهجية قائمة على الاستمرارية، لا على التجريب.
فهل يكون الدكتور هيثم أحد أعمدة حكومتكم المنتظرة؟
ذلك ما نأمله من قيادتكم، التي نرجو أن تعطي الأولوية لمعيار الأداء في الاختيار، لا لمعادلات الترضيات أو المحاصصة.
في المقال القادم، أحدثكم عن الأستاذة سوهندا عبد الوهاب، وتجربتها التي تستحق الإضاءة.