عيسى فراس ومحمد الفاتح السماني: أيادٍ تعبث بنسيج الفلاتة وتدفع أبناءها إلى أتون الموت

ضل الحراز: علي منصور حسب الله

 

 

أكتب اليوم تزامناً مع مراسم العزاء في منطقة التومات، تأبيناً للراحل الوكيل الطاهر إدريس يوسف، الذي اغتيل غدراً في تلس، وهو الرجل الذي ظل يمثل تيار الحكمة والتوازن داخل إدارة الفلاتة، ووقف بشجاعة ضد محاولات تمليش القبيلة وإقحامها في صراعات لا تخدم إلا مشاريع الهيمنة.

 

 

 

في خضم النزاع العنيف الذي يعصف بجنوب دارفور والسودان عموماً، تتعاظم المخاطر المحدقة بمكون الفلاتة، ليس بفعل الحرب وحدها، بل نتيجة التواطؤ الفاضح لبعض أبناء القبيلة ممن ارتضوا أن يكونوا أدوات طيعة بيد مليشيا الدعم السريع، يروجون لأجنداتها، ويدفعون بشباب الفلاتة إلى محارق الموت في معارك لا تعنيهم، خدمة لأهداف خارجية يتزعمها محمد بن زايد ويمررها آل دقلو.

 

 

 

في مقدمة هؤلاء يبرز اسم عيسى آدم فراس، كاتب عمود “منبر اطعن الفيل”، الذي سخر قلمه لدعم المليشيا، ودعا علناً إلى إخضاع المؤسسات الحكومية والإدارات الأهلية لسلطة الدعم السريع، حتى بلغ به الأمر المطالبة بأداء قسم الولاء للمليشيا، ملوحاً بعقوبات اجتماعية للمخالفين، كالعزل من القضاء العرفي والإداري. وليس هذا بمستغرب عليه؛ فمنذ أزمة سعدون، عُرف فراس بإشعال الفتن وتأجيج النزاعات.

 

 

والأدهى من ذلك، انقلابه على الوكيل الطاهر إدريس، رغم ما كتبه عنه في يناير 2021 من إشادة بالغة، حين قال:

“الوكيل الطاهر يستحق أن تقف له كل السودان إجلالاً وإكباراً… الطاهر إدريس هو ابن التمرجي الحاج إدريس، الرجل الورع الملء سمعاً وبصراً وفؤاداً.”

لكن موقف الطاهر الرافض لتمليش القبيلة جعله هدفاً للتصفية.

 

 

 

وفي ذات السياق، ظل الناظر المقال محمد الفاتح أحمد السماني يستغل موقعه لدفع شباب الفلاتة إلى أتون الحرب، عبر حملات تعبئة واستنفار شارك فيها عمد أمثال: مرجي خليل، وأحمد محمد إسماعيل، وإسحاق عبد الجبار، ومحمد آدم الله جابو، إلى جانب قيادات مليشياوية معروفة مثل شيخ الدين حقرة، وجلال، ممن تربطهم صلات وثيقة بقيادات الدعم السريع. لقد تم تقديم الفلاتة وقوداً لحرب الفاشر وكردفان، دون اعتبار لمصيرهم أو لحسابات التاريخ.

 

أثار اغتيال الوكيل الطاهر توتراً شديداً في تلس، وهو توتر مبرر في ظل شعور متزايد بالغدر والإقصاء.

 

 

 

وفي موقف وطني يُحسب له، أعلن العمدة يوسف عمر خاطر، ضابط الشرطة المعروف، انضمامه إلى الجيش السوداني، رفضاً لزج القبيلة في حرب لا تخصها. إلا أن هذا الموقف النبيل قوبل بصمت مريب من قيادات النظارة، لتجد الهيئة الاستشارية نفسها، تحت ضغط فراس ومن معه، تطالب بعزل العمدة وتفكيك عموديته، في مشهد يكشف هيمنة تيار المليشيا على القرار الأهلي.

 

 

 

أما في تلس، فحدث ولا حرج. فقد تم تنفيذ حملات تجنيد قسري تحت تهديد السلاح، بإشراف قيادات محلية محسوبة على المليشيا، أبرزهم الشيخ بناني محمد دكو، الذي تحولت عموديته إلى ملاذ آمن لعناصر الدعم السريع. وقد برز اسمه كمرشح لوكالة النظارة في نيالا، مكافأة على “خدمات” أبنائه في الميدان، بينما جرى تهميش الوكيل الشرعي الطاهر إدريس، لموقفه الصلب الرافض للانخراط في المشروع المليشياوي.

 

 

 

إن مسؤولية كل من عيسى فراس، ومحمد الفاتح السماني، ومرجي خليل، وشيخ الدين حقرة، وجلال وغيرهم، في إذكاء نار الفتنة داخل بيت الفلاتة، وتصفية الرموز الرافضة، وعلى رأسهم الوكيل الطاهر إدريس، واضحة وجلية. فهؤلاء يتحملون وزر جرائم القتل والانتهاكات، وهم من قادوا المجتمع نحو حافة الانهيار.

 

 

 

ما يجري ليس صراعاً عادياً على النفوذ، بل خطة ممنهجة لتفكيك الإدارة الأهلية للفلاتة وتحويلها إلى أداة طيعة في يد المليشيا، تقاتل بها ما تبقى من السودان، دون تمثيل حقيقي لمصالح القاعدة الاجتماعية للقبيلة.

 

 

 

وعليه، فإن الواجب الأخلاقي والوطني يُحتّم تحركاً عاجلاً من الجهات العدلية ومنظمات المجتمع المدني، لمساءلة المتورطين في تغذية الصراع، وتقديمهم للعدالة، حمايةً للنسيج الاجتماعي المتآكل، وصوناً لما تبقى من سلم أهلي بات مهدداً بالانهيار.

اخترنــــا لك