ضل الحراز: علي منصور حسب الله
تعتزم وزارة الثقافة والإعلام إقامة ورشة لمناقشة تعديلات قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009، يومي 26 و27 مايو الجاري بفندق الربوة – بورتسودان، وهو حدث ينبغي النظر إليه بإيجابية مبدئية، كخطوة تعبّر عن إيمان الدولة بأهمية الإصلاح التشريعي، واعتراف ضمني بأن قانون 2009 بات بحاجة ماسّة إلى المراجعة والتطوير.
إن مجرد انعقاد الورشة يؤكد أن الصحافة، رغم ما مرت به من تهميش، لا تزال حيّة تنبض في شرايين الوطن، ويشكّل انخراطها في عمليات التشريع والتقنين شهادة على دورها الحيوي في ترسيخ مفاهيم الحرية والمهنية والحق في التعبير.
لكن تبقى أسئلة مشروعة يجب أن تُطرح: من يمثل الصحفيين في هذه الورشة؟ وهل المشاركة فعلية أم رمزية؟ وهل رقاع الدعوة المنشورة كافية لتكون الدعوة عامة، أم أن هناك شخصيات وأجساماً تم اختيارها بعناية فائقة؟
في ظل تعدد الأجسام التي تدّعي تمثيل الصحفيين، فإن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين يظل الجسم الأجدر بالمشاركة، استناداً إلى شرعيته التاريخية واتساع نطاق عضويته. أما بقية الأجسام، فبعضها نشأ كرد فعل ظرفي خلال الحرب، والبعض الآخر يعكس انتماءات سياسية واضحة، ما يضع علامات استفهام حول حياديتها وقدرتها على تمثيل المصالح المهنية للصحفيين.
القانون لا يمكن أن يُصاغ بمعزل عن أصحاب المصلحة المباشرين. وأي عملية إقصاء أو تغييب – مقصود أو غير مقصود – للاتحاد تعني تفريغ التعديلات من جوهرها الإصلاحي، وتكرار أخطاء كثيرة، من بينها “المركزية التشريعية” التي لطالما صاغت القوانين من منظور العاصمة فقط، دون اعتبار للرؤى المتنوعة في ولايات السودان كافة.
علماً بأن الصحافة الإقليمية في السودان لها إشراقات عظيمة؛ فأول صحيفة فتحت مكاتب للمراسلين كانت صحيفة كردفان الإقليمية، حينما عيّنت مراسلاً لها في الفاشر. كما أن برامج محاربة العطش في كردفان ودارفور كانت من إشراقات تلك الصحيفة. إلا أن عقلية وضع القانون على مقاس مركزي أضعفت الصحافة الإقليمية، رغم صدور صحف في البحر الأحمر، والجزيرة، وكسلا، والقضارف، ودارفور.
ومن النقاط الجوهرية التي يجب مناقشتها بجدية في التعديلات المقترحة:
1. العقوبات في قضايا النشر:
ضرورة ضبطها وتحديدها بما لا يسمح بتجريم النشر أو تقييد الحريات خارج إطار ما تنص عليه المعايير الدولية، فالقانون ليس أداة تأديب، بل وسيلة لتنظيم الممارسة وضمانها.
2. مرجعية السلوك المهني:
تثبيت المرجعية القانونية لمواثيق السلوك الصحفي، لا تركها رهينة للتقديرات السياسية أو المزاج الرسمي.
3. الصحافة الإلكترونية: التنظيم لا التقييد
لا بد من تعريف دقيق للصحافة الإلكترونية، يميّز بين المحتوى الإعلامي المهني، والمدونات الشخصية أو الحسابات العشوائية. التنظيم مطلوب، دون مصادرة الحريات أو منح السلطة حق “التفتيش الرقمي” بلا ضوابط واضحة. كما يجب تقنين الصحف الإلكترونية تماماً كما يتم تقنين الصحف الورقية، وتحديد الجهة المرجعية التي تمنح التصاديق وتراقب الالتزام.
4. التمثيل العادل للولايات:
ينبغي أن تكون الورشة بداية لنهج جديد يُشرك الولايات في التشريع الإعلامي، فالإعلام المحلي ليس تابعاً بل شريكاً في إنتاج المعرفة والمساءلة.
وفي هذا الصدد، نجد أن محاولات الوزارة في عهد الوزير فيصل محمد صالح كانت أفضل، إذ أقاموا ورشاً في الولايات لمناقشة التعديلات، وإن لم يكتمل المشروع، إلا أن إشراك الولايات كان خطوة إيجابية، رغم الاختلاف مع تلك الفترة.
ثمة فوضى واضحة في تمثيل الصحفيين؛ فهناك أجسام تدّعي ذلك دون أي مصوغات قانونية، ويمكن لكل مجموعة أن تنشئ جسماً باسم الصحفيين، فضلاً عن مؤسسات تحمل أسماء شبكات إخبارية، وصحف مصممة بصيغة PDF، ومواقع على الشبكة العنكبوتية، دون مرجعية قانونية واضحة أو جهة راعية. لذا، لا بد من مشاركة الناشرين ورؤساء تحرير الصحف. أما الاتحاد العام للصحفيين، فلا ينبغي تجاوزه، وإلا فإن التعديلات ستكون بمثابة “قانون طوارئ” يُفرض وفق رؤية السلطة فقط.
ختامًا
نحن بحاجة إلى قانون حديث يعترف بتحولات المشهد الإعلامي، يضمن الحريات، ويحمي المهنة من التمييع، ويعزز المهنية بدل تقويضها. ولن يتم ذلك إلا بمشاركة جميع الأطراف، وبالدرجة الأولى: الصحفيون أنفسهم، لا من يدّعي تمثيلهم باسم السياسة أو الظروف.